عُرفت سورة المزمل بهذا الاسم ولم يرد لها أي تسميات أخرى، ويُراد بالمزمل إما الصفة التي نادى بها الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أو يُراد بها حكاية اللفظ، وقيل أنها سورة مكية بجميع آياتها ما عدا الآية التالية إلى نهاية السورة فهي مدنية، وتتناول مقاصد سورة المزمل جانباً من حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم في تبتله وطاعته وقيامه الليل وتلاوته لكتاب الله تعالى.
مقاصد سورة المزمل
تتمثل مقاصد سورة المزمل الإجمالية في الإعلام بأن محاسن الأعمال تدفع الأخطار والأوجال، وتخفف الأحمال الثقال، ولاسيما الوقوف بين يدي الملك المتعال، والتجرد في خدمته في ظلمات الليال، فإنه نعم الإله لقبول الأفعال والأقوال، ومحو ظلل الضلال، والمعين الأعظم على الصبر والاحتمال، لما يرد من الكدورات في دار الزوال، والقلعة والارتحال، واسمها المزمل أدل ما فيها على هذا المقال.
جاءت مقاصد سورة المزمل التفصيلية بمثابة دروس وتوجيهات لإفادة المسلم في حياته بحيث يكون أقرب ما يكون تطبيقا للمنهج القراني، ومنها:
- التأكيد على أن قيام الليل كان واجبا في حق النبي عليه الصلاة والسلام، وفي حق أمته نافلة، فيحرص المسلم على الإتيان بهذه النافلة قدر ما استطاع.
- التوجيه إلى الصبر على الأذى وهجر المكذبين هو أمر رباني لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فيأخذ المسلم بهذا الأمر ويحرص على هجر المكذبين والعصاة من الناس.
- العبادات هي زاد للمسلم في حياته وبالأخص تلك العبادات الداعية إلى الله تعالى، فكل عبادة يؤديها هي زاد له في طريق الدعوة مما يلاقيه من الناس.
- قيام الليل يعد علامة ظاهرة على درجة الإيمان في قلب المسلم، فيراقب المسلم درجة إيمانه بقيامه لليل.
- السعي في النهار لطلب أسباب العيش هو من سنن الله -تعالى- في الأرض، فلا يتعطل المسلم عن طلب الرزق بحجة التعبد لله تعالى.
- عقاب المكذبين والمستهزئين مخبأ لهم من الله تعالى، فيطمئن الداعية إلى أن كل ما يلاقيه من المستهزئين له عقاب في اليوم الموعود.
- التخفيف في العبادات تيسير إلهي لعباده في الأرض، فلا يجبر المسلم نفسه على ما لا يستطع من عبادات، بل يأخذ بالرخص التي شرعها الله تعالى.
- إن التخلق بالأخلاق التي يأمر بها القران الكريم هو أمر يشق على النفس البشرية، ولا يعين المسلم على ذلك سوى حبل متين متصل مع الله تعالى.
- أشكال الإيذاء التي تعرض لها رسل الله -تعالى- لا تعد ولا تحصى، فعلى الداعية أن يطمئن ؛ لأنه مهما لاقى من أعباء الدعوة فإنها لا تعد شيئا في مقابل ما تعرض له صفوة الخلق.
- فهم القران الكريم متوقف على تدبره والتأني فيه، ولفهم القران وما فيه من مواعظ وقصص وأحكام ينبغي للمسلم أن يتدبر ورده من القران ويتأنى فيه.
- طلب العلم يعد بابا من أبواب ذكر الله تعالى، فيحرص المسلم على طلب العلم ويخلص النية لله -تعالى- في ذلك.
- الإخبار بأن قيام الليل وتكاليف العبادة أمور شاقة على النفس الإنسانية، فلا يعين على ذلك إلا الإيمان والصلة القوية بالله تعالى.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة المزمل
موضوعات ومضامين سورة المزمل
قبل البدء في الحديث عن موضوعات ومضامين سورة المزمل، تجدر الإشارة إلى ما قاله الإمام جلال الدين السيوطي عن وضع سورة المزمل في هذا الترتيب ومناسبتها لما قبلها، حيث لا يخفى وجه اتصال أولها: {قُم الليل} بقوله في آخر سورة الجن: {وأَنَّهُ لمّا قامَ عبد اللَه يدعوه} وبقوله {وأَنَّ المساجد لله}.
تبدأ سورة المزمل بتوجيه الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يستعد بقيام نصف الليل أو قريب منه والتبتل أي الانقطاع إلى الله والإنابة اليه وذلك لاستقبال القول الثقيل الذي سينزل عليه والقيام بالرسالة التي يحتويها هذا القول، وذلك الجزء من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ {1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً {2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً {3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً {4}) إلى قوله تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً {9}).
بعد الاستعداد بالذكر والعبادة، يُؤمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتخاذ رب المشرق والمغرب وكيلاً وبالصبر على ما يقول المكذبون وهجر أذاهم هجراً جميلاً، ثمّ يدَع عقابهم ويمهلهم لعقاب الله الأليم. وذلك من قوله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً {10}) إلى قوله تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا {14}).
تضمنت الآيات من 15 إلى 19 تحذيراً لكفار مكّة بأن الله أرسل لهم رسولاً كما وسبق أن أرسل إلى فرعون رسولاً، فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً. فهذه تذكرة باتباع سبيل الله قبل أن يأتي اليوم الذي من هول ما فيه يجعل الولدان شيباً.
خُتمت سورة المزمل بالآية العشرين التي تُعتبر أطول آيات السورة، وجاءت الآية لبيان أن قيام الليل وترتيل القرآن هي من الأعمال العظيمة التي تعين المؤمنين على طاعة الله والصبر على أذى المشركين وعلى التوكّل على الله وحده لا شريك له. وقد علم الله أن منهم من لا يمكنهم قيام الليل كله، فخفَّف عليهم ذلك وكلفهم بحسب جهدهم واستطاعتهم.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الملك