سورة الجن إحدى سور القرآن الكريم المكية، نزلت بعد سورة الأعراف، تقع سورة الجن في الجزء التاسع والعشرين من القرآن الكريم، وهي السورة الثانية والسبعون من ترتيب سور القرآن الكريم، ويبلغ عدد آياتها ثمانية وعشرين آية، وتدور مقاصد سورة الجن حول ما يتعلق بالجن وأمورهم الخاصة بدءاً من استماعهم القرآن وحتى دخولهم في الإيمان، وتناولت بعض الأحداث العجيبة الخاصة بهم كاستراقهم السمع ورميهم بالشهب المحرقة إلى غير ذلك من أخبار.
مقاصد سورة الجن
تتمثل مقاصد سورة الجن الإجمالية في إظهار الشرف لهذا النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حيث لين له قلوب الإنس والجن وغيرهما، فصار مالكا لقلوب المجانس وغيره، وذلك لعظمة هذا القرآن، ولطف ما له من غريب الشأن، هذا والزمان في آخره وزمان لبثه في قومه دون ربع العشر من زمن نوح عليه السلام أول نبي بعثه الله تعالى إلى المخالفين وما آمن معه من قومه إلا قليل، وعلى ذلك دلت تسميتها بالجن وبقل أُوحي، وبتأمل الآية المشتملة على ذلك وما فيها من لطيف المسالك، أعاذنا الله بمنه وكرمه من الوقوع في المهالك.
جاءت مقاصد سورة الجن تفصيلاً كالتالي:
- تقرير سهولة كلام الله وقربه من العباد، وبساطة دينه الهادي إلى الرشد الناهي عن الباطل، وأن من أراد الهدى يؤمن بأسهل الأسباب، كما آمن ذلك النفر من الجن، ليكون فيه درس وموعظة للإنسان فهو المخاطب بالقرآن الكريم.
- بيان أن الجنّ مثل الإنسان مكلّفين ويملكون القوّة والإرادة على الاختيار ما بين الطاعة والعصيان، والكفر والإيمان. وأنهم مكلفون مأمورون ومكلفون منهيّون، مجازون بأعمالهم. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول إلى الجن كما هو رسول إلى الإنس. وأن ليس للجن شيء من أمر النبوّة والكتاب فهم مأمورون ومنهيون، مبشرون ومنذرون كالإنس تماماً.
- بعث موعظة للإنسان مفادها بأنه: كما فعل النفر من الجن حين لاحظوا الآيات والإشارات الربانية، فهم لمّا منعوا فجأة من الوصول إلى خبر السماء على غير ما اعتادوا من قبل، عرفوا بفطنتهم أن هذا الأمر يريده الله، ولا يدرون هل هو خير أم شر، فانطلقوا يبحثون عن السبب، حتى إذا سمعوا القرآن كلام الحق والرشاد آمنوا به واتبعوه من فورهم.
- التأكيد على أن استعانة الإنسان بالجن لا تسمن ولا تُغني من جوع ولا تجلب النفع للإنسان أبدًا، قال تعالى: {وأَنَّهُ كانَ رجَالٌ منَ الإِنسِ يعُوذُونَ برِجَالٍ منَ الجنِّ فزَادُوهُمْ رهَقًا}.
- إدراك الجن وعلمهم بجدّ الله وعظمته بعد أن كانوا مغترّين بأكاذيب من سبقهم من الجن والإنس الذين أنكروا البعث وأقدموا على الشرك.
- انقسام الجن إلى طائفة مؤمنة وطائفة كافرة وقد حددت الآيات مصير كل منهم، قال تعالى: {وأَنَّا منَّا المُسلِمُونَ ومِنَّا القَاسِطونَ فمَنْ أسلَمَ فأولَئِكَ تحرَّوْا رشَدًا * وأَمَّا القَاسِطُونَ فكَانُوا لجَهَنَّمَ حطَبًا}.
- إيمان الجن بالهدى طمعاً بالخير والرزق والأمان من الله، وإنكارا للتشتت الذي كانوا عليه، وظن الكثير منهم بأنهم خارجون عن قدرة الله. فلا يتردد الإنسان ولا يتبع الأماني ولا كذب وضلالات الشيطان. فإنه باتباع الهدى والاستقامة على طريق الحق تتحقق مصالح الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة.
- الحديث عن دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكيف أن قومه كانوا يحاولون أن يبعدوه عن دعوة الحق والتوحيد، ثم تختم الآيات بأحد مقاصد سورة الجن العظيمة وهو أن يسلمَ رسولُ الله أمره كله لله تعالى ويخضعَ له بكل جوارحه لأنه وحده فقط الذي يضر وينفع ولا يملك ذلك إلا هو وبالتأكيد هذا الكلام له ولغيره ممن آمنوا معه لتثبيتهم.
اقرأ أيضا: تفسير سورة النازعات للأطفال
لطائف سورة الجن
تتناسب سورة الجن مع السورة التي قبلها، ففي سورة نوح، لم يدع سبحانه حيلة ولا أسلوب ولا وسيلة إلا دعاهم بها إلى عبادته: من الإنذار وطول الإمهال والانتظار من رسول يبلغهم ولم يمل من دعوتهم في الليل والنهار ومن إغراء بالمغفرة وبالأمطار والجنات والأنهار والأموال والبنين وبيان الآيات والجدال بالحجة والتخويف بالعذاب وبيوم القيامة، لكنهم عصوا وأغلقوا آذانهم وأسماعهم وعقولهم، حتى أنهم رأوا الماء يحيط بهم ورأوا الغرق بأم أعينهم مع ذلك لم يؤمنوا، ثم واتبعوا الأصنام ومن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ثم مكروا مكراً كباراً.
في المقابل في سورة الجن، لم تأتِ الدعوة لهم مباشرة بل لاحظوا تغيراً طرأ على الأرض فبحثوا عن السبب لأنهم يعلمون أن كلّ شيء قائم على الأسباب، فسمعوا القرآن فآمنوا من فورهم ولم يتوقفوا عند هذا بل رجعوا إلى قومهم مبلغين ومنذرين.
من هاتين السورتين نستنتج رحمة الله وعدله فلم يترك عباده بدون تدبير أرسل لهم ما به يهتدون وأقام عليهم الحجة والشهداء بأنهم ما يصيبهم إلا بما كسبت أيديهم ولا ينالون إلا جزاء أعمالهم فلا يلومون إلا أنفسهم أهل الجنة يستحقونها بطاعتهم واتباعهم سنن الله، وأهل النار استحقوها بمكرهم ومعصيتهم وظلمهم وإفسادهم سنن الله.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الجن