سُمّيت سورة التغابن بذلك لورود هذه الكلمة في إحدى آيات سورة التغابن، ومعنى التغابن أن يغبنَ البشرُ بعضهم بعضًا، وهو أحد أسماء يوم القيامة وبسبب ذلك سميت السورة بهذا الاسم، وتبدأ سورة التغابن مثل بقية السور المسبحات بالثناء على الله -عز وجل- وتسبحه وتمجده، وتبين أن الخلائق جميعهم في الأرض وفي السماوات يسبحون له -تبارك وتعالى- ويمجدونه، وتدور مقاصد سورة التغابن حول ما تُسببه المشاغل الاجتماعية من ضياع للانتماء الديني.
مقاصد سورة التغابن
تتمثل مقاصد سورة التغابن الإجمالية في الإبلاغ في التحذير مما حذرت منه المنافقون بإقامة الدليل القاطع على أنه لا بد من العرض على الملك للدينونة على النقير والقطمير يوم القيامة يوم الجمع الأعظم، واسمها التغابن واضح الدلالة على ذلك، وهو أدل ما فيها عليه فلذلك سميت به.
تأتي مقاصد سورة التغابن تفصيلًا كالتالي:
- التأكيد على أن الله خلق الوجود لعبادته وتسبيحه وحمده، وأنه من يطيع ويفعل ذلك من الناس باختياره يفوز، ومن يعصي يخسر؛ لذلك تضمنت السورة الحديث عن جميع المخلوقات بمن فيهم الناس بأنهم خلقوا بالحق وهو نقيض الباطل من أجل أن يؤمنوا بالله فيعبدوه ويطيعوه ونقيضه أن يكفروا بالله فيشركوا ويعصوا أوامره ويخالفوا شرعه.
- التنبيه على حقيقة أن الناس مجموعون إلى يوم الجمع والتغابن، والدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله والنور الذي أنزل، والأمر بالعمل الصالح والاستعداد ليوم الحساب والتغابن، والتحذير من الكفر والتكذيب، والاستغناء بالدنيا عن المصير في الآخرة.
- إظهار ما نال الأمم السابقة من الاستئصال والهلاك بالعذاب الشديد عندما لم تتبع أوامر ربها وكذبت الرسل المبعوثين، فكأن السورة تقول آمنوا ولا تكفروا لأنكم مخلوقون لتؤمنوا فتفوزا.
- الرد على زعم الكفار من الأمم السابقة، وكذلك كفار الوقت الحاضر أنهم لن يبعثوا، فأكدت لهم الآيات أنهم سيبعثون وينبئون بما عملوا.
- بيان أن الله يحاسب الناس على أعمالهم في الدنيا وهو دليل على أنه خبير بأعمالهم وسيحاسبهم عليها في الآخرة كما حاسبهم عليها في الدنيا، فيأمرهم بالإيمان مختارين.
- أمر المؤمنين بطاعة الله والرسول واتباع الكتاب والإنفاق، تبين لهم سبيل النجاة وهو التوكل على الله وعبادته وعدم الانشغال عن ذلك بالأموال والأزواج والأولاد؛ لأنها كلّها أسباب ووسائل لاستمرار الحياة وليست هدف وجود الإنسان على الأرض.
- إقرار هداية الله لقلب المؤمن؛ ليعلم المؤمن بأن ما أصابه من مصيبة فبإذن الله. ويعلم أن كل شيء هو من الله فيتوكل عليه ويطيع الله ويطيع رسوله ومن يتول فحسابه عند ربه فالرسول مبلغ عن ربه.
- تحذير الله سبحانه وتعالى من الأموال والأولاد والأزواج، وقد جعلهم الله فتنة وقد يكون منهم أعداء، فليعفوا وليصفحوا وينتظروا الأجر من الله.
- الحث على التمسك بتقوى الله والسمع والطاعة والإنفاق، والإنفاق هو الخير، وفيه الدليل على التوكل على الله لفائدة الفرد، وهو يتعدى النفس الشحيحة فيفيد الناس والمجتمع يمنع العداوات ويبعد الفتن ويصل الناس، فهو قرض حسن يضاعفه الله تعالى يوم القيامة.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة القيامة
لطائف سورة التغابن
سورة التغابن فيها من الدلالات والوقفات التدبريّة التي تشير إلى رحمة الله الواسعة، وإظهار جبروته وعظمته -سبحانه وتعالى-، وفيها من التمجيد لله العظيم من جميع الكائنات والمخلوقات كما ذكرت افتتاحية السورة، قال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ومن كمال عظمته خلقه للنّاس في أحسن تقويم، قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}،واستغناؤه عن من في الأرض جميعًا، فلا يضرّه -سبحانه وتعالى- عصيان المكذّبين وفسوقهم، ولا ينفعه صلاح المؤمنين وخشوعهم، إنما أمر النّاس لهم، يجزيهم به ويعاقبهم به، قال تعالى: {وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
هناك تناسب بين سورة التغابن وسورة المنافقون التي تسبقها، فلما وقع في آخر سورة المنافقون: {وأَنفِقوا ممّا رَزقناكُم مِن قبلِ أَن يأَتي أَحدكُم الموت (10)} عقب بسورة التغابن لأنه قيل في معناه: إن الإنسان يأتي يوم القيامة وقد جمع مالاً ولم يعمل فيه خيراً فأخذه وارثه بسهولة من غير مشقة في جمعه فأنفقه في وجوه الخير فالجامع محاسب معذب مع تعبه في جمعه والوارث منعَّم مثاب مع سهولة وصوله إليه وذلك هو التغابن فارتباطه بآخر السورة المذكورة في غاية الوضوح.
يؤكد على ما سبق أنه قال في سورة التغابن : {وأَنفِقوا خيراً لأَنفُسَكُم ومَن (16)} وأيضاً ففي آخر تلك: {لا تُلهِكُم أَموالِكُم وَلا أَولادكُم عَن ذكرِ اللَهِ (9)} وفي سورة التغابن: {إِنَّما أَموالكُم وأَولادكم فتنة (15)} وهذه الجملة كالتعليل لتلك الجملة ولذا ذكرت على ترتيبها وقال بعضهم: لما كانت سورة المنافقون رأس ثلاث وستين سورة أشير فيها إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {ولَن يؤخِر اللَهُ نفساً إِذا جاءَ أَجَلُها (11)} فانه مات على رأس ثلاث وستين سنة وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده صلى الله عليه وسلم.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة التغابن