مقاصد سورة القمر
سورة القمر هي السورة الرابعة والخمسون بحسب ترتيب سور المصحف العثماني، وهي السورة السابعة والثلاثون وَفْق ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة الطارق، وقبل سورة (ص). وهي مكية كلها عند الجمهور. وعدد آياتها خمس وخمسون باتفاق أهل العدد، وتكثر مقاصد سورة القمر وما تتضمنه من موضوعات ولطائف قرآنية.
مقاصد سورة القمر
تدور مقاصد سورة القمر حول بيان الموقف العنادي المكابر الذي وقفه كفار قريش من آية انشقاق القمر العظيمة، بعد أن طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم آية مادية كبرى، تثبت صحة نبوته، وصدق رسالته، وبيان موقفهم العنادي من الأنباء الزاجرة، التي سبق للقرآن أن وجهها لهم. مع إبراز الموقف الذي يوصِي الله رسولَه صلى الله عليه وسلم بأن يتخذه معهم، بعد أن وصلوا إلى حالة ميؤوس منها غالباً، وهو التولي عنهم، بإدارة ظهره إليهم، والاشتغال بآخرين لم يبلغوا بعد ما بلغ إليه هؤلاء من عناد ومكابرة واستكبار ومعاداة لدعوة الحق الربانية.
وعلى الجملة، فقد تجلت مقاصد سورة القمر في الأمور التالية:
- تسجيل مكابرة المشركين في الآيات البينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن مكابرتهم.
- إنذارهم باقتراب القيامة وبما يلقونه حين البعث من الشدائد.
- تذكيرهم بما لقيته الأمم أمثالهم من عذاب الدنيا؛ لتكذيبهم رسل الله، وأنهم سيلقون المصير نفسه الذي لقيه أولئك؛ إذ ليسوا خيراً من كفار الأمم الماضية.
- سوق التخويف إلى المشركين حيث حملت الآيات تحذيراً لهم بأنهم سوف يهزمون شر هزيمة ومن ثم يرجعون إلى الله تعالى، فيذيقهم عذاب الآخرة وهو أشد وأقسى.
- التأكيد على بإحاطة الله علماً بجميع أفعال الناس، وأنه مجازٍ المشركين شر الجزاء، ومجازٍ المتقين خير الجزاء. وإثبات البعث، ووصف بعض أحواله.
- تكرير التنويه بهدي القرآن وحكمته.
اقرأ أيضًا: أحاديث عن القمر
موضوعات ومضامين سورة القمر
يمكن تقسيم السورة باعتبار ترتيب آياتها إلى ثلاث مجموعات، وتتضمن كل مجموعة على عدد من الآيات:
تمثل المجموعة الأولى مقدمة السورة، حيث تضم أولى ثمانية آيات، وقد احتوت على كل مقاصد السورة حيث أن فيها تأكيداً على تكذيبهم وإعراضهم واتباعهم الهوى رغم كثرة الإنذارات والآيات الإلهية التي جاءتهم وقد اكتملت أركانها بما لا يدع مجالاً للعذر، وقد سيق لهم في هذه السورة من الأنباء، حيث ظهرت لهم آية انشقاق القمر، وتأكيداً على اكتمال الإنذارات قال تعالى: {ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر (4) حكمة بالغة فما تغن النذر (5)} ما فيه كفاية لردعهم عن كفرهم وضلالهم. فأعرضوا وقالوا سحر وكذبوا واتبعوا أهواءهم. وهم في ذلك لا فرق بينهم وبين من سبقهم من الأمم ممن جاءتهم أخبارهم ورأوا آثارهم، وهم كذلك لم تبرئهم مِن عقاب الله الكتب المنزلة أو بالسلامة من العقوبة.
بينت آيات المجموعة الثانية من الآية التاسعة وحتى الآية الثانية والأربعين من السورة أن الله خلق كل شيء وقدّره تقديراً محكماَ وخلق الأسباب، فمن خالف تقدير الله فيما جعله من أسباب السعادة خسر وهلك ومن وافق تقدير الله ربح ونجا. أمر الله فوري كلمح البصر فسواء الإنسان خالف تقديره أو وافقه فالنتيجة فوريّة. هذا كلام واضح سهّل الله فهمه في كتابه القرآن، لمن أراد أن يفهم، فمن أراد الفهم فوسائل التفهيم متنوّعة وعديدة ابتداءاً من القرآن الذي يسّر على المتعلّم والأمي كل يفهم منه الحق على قدر استيعابه، مروراً بالآيات الكونية والتكوينية، وانتهاءاً بالترغيب والترهيب بذكر أنباء الساعة وبمصائر وآثار الأمم المشار إليها في القرآن.
تأتي المجموعة الثالثة من الآية الثالثة والأربعين إلى آخر السورة كخاتمة تضع النقاط على الحروف بأن الكل مكلّف لا فرق ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى: كفار اليوم ككفار الأمس لا براءة لأحد كلهم ضالون مجرمون وسيهزمون أمام قدر الله وجنود الحق فلا مفرّ لهم من الهلاك في الدنيا ثم العذاب في النار في الآخرة.
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة إبراهيم
لطائف سورة القمر
تتعدد لطائف سورة القمر، ومن ذلك ما قاله الإمام جلال الدين السيوطي عن التناسب بين سورة القمر وما قبلها: لا يخفى ما في توالى السورتين النجم والقمر من حسن التناسق في التسمية، لما بين هاتين السورتين من المناسبة، ونظيره توالى سورة الشمس والليل والضحى وقبلها سورة الفجر. ووجه آخر وهو: أن هذه السورة بعد النجم كالأعراف بعد الأنعام، وكالصافات بعد يس، في أنها تفصيل لأحوال الأمم المشار إلى إهلاكهم إلى قوله في سورة النجم: {وأَنه أَهلكَ عاداً الأولى (50) وثمود فما أَبقى (51) وقوم نوح من قبل إِنهم كانوا هُم أَظلم وأَطغى (52) والمؤتَفِكة أَهوى (53)}.
تشتمل سورة القمر على بعض اللطائف البيانية مثل قول الله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال لما وحد الله تعالى في الآية السابقة النهَر، على الرغم من أنه جمع الجنات قبله، وفي مواضع القرآن الكريم الآخرى كان إذا جمع الجنة جمع النهر.
كما في قوله تعالى:{جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَار}، وبعد الوقوف على جانب من تأملات في سورة القمر كانت الإجابة أن فواصل الآيات تقتضي “النهَر”، لا “الأنهار”، حتى تكون على وزن ما جاء قبلها من قول الله تعالى:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ*وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ}، لا سيما أن النهَر اسم جنس بمعنى الأنهار، وهو بمعنى الجمع، وقد يؤتى بالواحد للدلالة على الكثرة والجمع، مثال ذلك ما جاء في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {إنَّما أهلَك من كان قبلكم الدِّينارُ والدِّرهمُ}، والمقصود بالدينار والدرهم الجنس لا الواحد، بالإضافة إلى أن لفظ النهَر يعطي أكثر من فائدة، ويجمع عدة معاني، لا يفيدها لفظ أنهار.
اقرأ أيضاً: أسباب نزول سورة القمر