تعتبر سورة الواقعة من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها 96 آية، وهي السورة السادسة والخمسون في ترتيب سور المصحف الشريف حيث تقع في الجزء السابع والعشرين والحزب الرابع والخمسين، وقد نزلتْ سورة الواقعة بعد سورة طه، ولا تندرج سورة الواقعة ضمن قصار السور القرآنية؛ لذلك تكثر مقاصد سورة الواقعة ومضامينها بالغة الأهمية.
مقاصد سورة الواقعة
يدور موضوع سورة الواقعة حول تقسيم الناس يوم القيامة؛ لمجازاة العباد الموضوعين في الحياة الدنيا موضع الامتحان، إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول وهم المؤمنون المسلمون أصحاب اليمين، وهم أهل الجنة بوجه عام، على درجاتهم المنخفضة والمتوسطة، والصنف الثاني هم الكافرون المجرمون أصحاب الشمال، وهم أهل النار بوجه عام، على دركاتهم الأولى فالمتوسطة، أما الصنف الثالث، فهم السابقون المقربون من المحسنين والأبرار، وهم أصحاب الدرجات العليا في جنات النعيم.
ويُفهم من التقابل والتناظر (صنف رابع) وهم الموغلون في الكفر، وارتكاب الجرائم الكبرى، ونشر شررهم في الأرض، ودعوتهم إلى الكفر، وهم أصحاب الدركات السفلى من النار، ومنهم المنافقون، الذي هم في الدرك الأسفل من النار.
وعلى الجملة، تتجلى مقاصد سورة الواقعة من خلال الأمور التالي:
- التذكير بيوم القيامة وتحقيق وقوعه.
- تقديم بيانات إقناعية، وأدلة برهانية للمكذبين بالبعث وبيوم الدين على صدق الأخبار القرآنية المتعلقة بيوم الدين، وأنها حق يقين.
- توجيه العقول المستقيمة لاستبصار المكانة الرفيعة التي يتحلى بها القرآن، المشتمل على أخبار يوم الدين، وما فيه من الجزاء والحساب.
- الترغيب والترهيب بما في يوم الدين من ثواب وعقاب.
- وصف ما يعرض في هذا العالم الأرضي عند ساعة القيامة.
- بيان صفة أهل الجنة وبعض نعيمهم مع بيان صفة أهل النار وما هم فيه من العذاب، وأن ذلك لتكذيبهم بالبعث.
- إثبات الحشر والجزاء، والاستدلال على إمكان الخلق الثاني بما أبدعه الله من الموجودات بعد أن لم تكن.
- إبراز بعض آلاء الله ونعمه، وآثار قدرته فيما خلق وأبدع في الزرع والماء والنار، وأن ذلك يستوجب تسبيح الله وتقديسه على نعمه الغامرة، وشكره على آياته الظاهرة الباهرة، وتوضح أن من خلق هذا وأوجده قادر على البعث، وإعادة الناس إلى الحياة مرة ثانية للحساب والجزاء؛ لأن الإعادة أسهل من البداءة عادة.
- التأكيد على أن الله سبحانه قضى بين الناس بالموت، وجعل لموتهم وقتاً معيناً، وهو جلَّ وعلا ليس بعاجز على أن يبدل صورهم بغيرها، وينشئهم خلقاً آخر في صور أخرى لا يعرفونها.
- الاستدلال بنزع الله الأرواح من الأجساد والناس كارهون، لا يستطيع أحد منعها من الخروج، على أن الذي قدر على نزعها دون مدافع قادر على إرجاعها متى أراد.
- القَسَم على مكانة القرآن وعلو شأنه، وتقريع للكافرين على قبح صنعهم، وعجيب شأنهم؛ حيث وضعوا التكذيب موضع الشكر، وقابلوا النعمة بالجحود والكفر.
- التشديد على أن القرآن منزل من عند الله، وأنه نعمة أنعم الله بها عليهم، فلم يشكروها وكذبوا بما فيه.
- في آخر السورة إجمال ما فصلته أولاً عن أحوال الأصناف الثلاثة، وما ينتظر كل صنف من ثواب أو عقاب، وتُختم السورة بأمر كل مُتَلَقٍ لديه الاستعداد لأن يومن ويُسلم؛ لما في قلبه من خير، بأن يسبح باسم ربه العظيم، المهيمن عليه دوماً بصفات ربوبيته.
اقرأ أيضاً: أسباب نزول سورة الواقعة
موضوعات ومضامين سورة الواقعة
تبدأ السور بذكر نبأ حادثة خطيرة ستقع وهي “الواقعة”، ليس لوقعتها أحد يكذِّب به، وهي خافضة لأعداء الله في النار، رافعة لأوليائه في الجنة، فاشتملت السورة على أحوال يوم القيامة و أهوالها، وتحدثت عن مآل كل فريق وما أعده الله لكل فريق من جزاء عادل، وذلك من قوله تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ {1} لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ {2}) إلى قوله تعالى : (هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ {56}).
أقامت الآيات الكريمة من سورة الواقعة الدلائل على وجوده تعالى وأنه سبب لكل موجود، وذلك من قوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ {57} أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ {58} أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ {59}) إلى قوله تعالى : (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ {73} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ {74}).
تضمنت سورة الواقعة جزءاً خاصاً للحديث عن القرآن الكريم واستنكار موقفه من لا يؤمنون به، ويبدأ هذا الجزء من قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ {77} فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ {78} ) وينتهي مع قوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ {82}) .
بيّنت السورة ما يلقاه الإنسان عند الاحتضار وذكرت الطوائف الثلاث وهم أهل السعادة، و أهل الشقاوة، والسابقون إلى الخيرات وبيّنت عاقبة كل منهم، وذلك من قوله تعالى (فلوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ {83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ {84}) إلى قوله تعالى : (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ {95} فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ {96}).
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة طه
لطائف سورة الواقعة
تُعتبر سورة الواقعة متآخية مع سورة الرحمن في أن كلا منهما في وصف القيامة والجنة والنار، ويمكن ملاحظة ذلك من اتصال قوله: {إِذا وقعت الواقعة} بقوله هناك: {فإِذا انشقت السماء} في سورة الرحمن؛ ولهذا اقتصر في الرحمن على ذكر انشقاق السماء وفي الواقعة على ذكر رج الأرض فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما سورة واحدة ولهذا عكس في الترتيب فذكر في أول هذه السورة ما ذكره في آخر تلك، وفي آخر هذه ما في أول تلك.
ومن الناحية اللغوية، لم تخلُ سورة الواقعة من بعض اللطائف البيانية مثل قوله الله تعالى: {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ}، والفرق بين الثلة والقلة هو أنَّ الثلة هي الجماعة وهي أكثر من القلة، فإذا قيلَ ثلَّة من الأولين وقليل من الآخرين، فإن من المعروف إنَّ في أمة كلِّ نبيٍّ يكون في صدر هذه الأمة ثلة وما بعدهم يكونون قلَّة، وعلى هذا القياس تُقاس أمة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فالثلة هم قرن رسول الله وصحابته الكرام، وقلَّة هم من جاء بعدهم، خاصَّة وأنَّ الآيات القرآنية تتحدَّث عن النعيم، أي أنَّ من يدخلون النعيم هم ثُلَّة من الأولين وهم قليل من الآخرين.
اقرأ أيضاً: أحاديث عن سورة الواقعة