سورة ق من السور التي نزلت كاملة على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة، وهي السورة الخمسون في ترتيب السور في المصحف الشريف، أما في ترتيب النزول فهي السورة الرابعة والثلاثون، وتتصمن مقاصد سورة ق ذكر العديد من الحقائق التي ذكرها الله -تعالى- في آياتها، والتي أراد الله -تعالى- إخبارها لجميع الناس كي يبهت الكفار ويُضعف حجتهم، فنزلت هذه السورة ردًا على ادّعاءاتهم وأكاذيبهم.
مقاصد سورة ق
عالجت سورة ق العديد من القضايا العقدية، وذكرت الكافرين الذين أنكروا يوم البعث والحساب وإعادة الخلق، وكيف أنّ الله الذي خلقهم يستطيع إعادة خلقهم من جديد، وقد تضمنت ذكر كيفية إحياء الله -تعالى- للأموات من البشر ومن الزروع والأشجار، وفي سورة ق مقاصد عديدة، وأهم مقاصد سورة ق ما يأتي:
- تذكير الناس بعظمة القرآن الكريم وشأنه العظيم، خصوصًا أنّ سورة ق ابتدأت بالقسم بالقرآن المجيد، وهذا تشريفٌ عظيم، لأنّ الله -تعالى- لا يُقسم إلا بالأشياء العظيمة.
- بيان تكذيب الكفار للرسول -عليه الصلاة والسلام- لأنه من البشر.
- الإستدلال على إثبات قدرة الله -تعالى- على البعث، وأن البعث ليس بأصعب من خلق السماوات والأرض وما فيهنّ، وكيفية إعادة نشأة النباتات وإحياء الأموات.
- كشف تنظير المشركين وتكذيبهم لرسالة الإسلام وإعادة البعث.
- التذكير بالوعيد الذي أعدّه الله من عذاب الآخرة للكفار والمشركين الذين أنكروا يوم الحساب وقالوا أنّ الله لا يستطيع إعادة إحياء الموتى.
- وعد الله للمؤمنين بنعيم الآخرة، وما سيلاقوه يوم القيامة من جزاء لأنهم آمنوا بالله وحده ولم يكذبوه كما فعل الكفار والمشركون.
- تسلية الرسول -عليه السلام- بعد أن كذبه المشركون، وأمره الله بالإقبال على طاعته وترك أمر الكافرين والمكذبين إلى يوم القامة، ولو أن الله أراد لأخذهم الآن لكن حكمة الله تركتهم ليوم القيامة.
- مدح المؤمنين يوم البعث، وكيف أنّ الله أعدّ لهم جزاءً حسنًا.
- بيان الله -تعالى- يعلم الغيب وما يخفى من الأمور، ويعلم ما في خواطر النفوس.
اقرأ أيضًا: مقاصد سورة فصلت
موضوعات ومضامين سورة ق
تتناول موضوعات ومضامين سورة ق جوانب العقيدة الإسلامية مثل الوحدانية، والرسالة، وتدور حول محور البعث والنشور حتى ليكاد يكون طابعها الخاص، وقد عالجه القرآن بالبرهان القاطع والحجة الدامغة، وهذه السورة شديدة الوقع على الحسّ تهز القلب هزًا وتثير روعة الإعجاب ورعشة الخوف من الله تعالى بما فيها من ترغيب وترهيب.
ابتدأت السورة بالقضية الأساسية التي أنكرها كفّار قريش وتعجبوا منها غاية العجب وهي قضية الحياة بعد الموت والبعث بعد الفناء، حيث قال تعالى: ( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ {1} بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ {2}) إلى قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ {5})
لفتت آيات سورة ق أنظار المشركين المنكرين للبعث إلى قدرة الله العظيمة المتجلية في صفحات هذا الكون المنظور في السماء والأرض والماء والنبات والثمر والطلع والنخيل والزرع وكلها براهين ساطعة على قدرته تعالى، وذلك من قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ {6}) إلى قوله تعالى : (رِزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ {11}).
انتقلت الآيات للحديث عن المكذبين من الأمم السالفة وما حلّ بهم من كوارث وعذاب، تحذيرًا لكفار مكة أن يحلّ بهم ما حلّ بغيرهم، ثم انتقلت للحديث عن سكرة الموت ووهلة الحشر وهول الحساب، وما يلقاه المجرم يومها من أهوال وشدائد تنتهي به بإلقائه في الجحيم، وذلك من قوله تعالى: ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ {12} ) إلى قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ {30}).
تحدثت الآيات عن حال المتقين المؤمنين في جنات النعيم، وبعدها خُتمت السورة بالحديث عن صيحة الحق التي يخرج بها الناس من قبورهم كأنهم جراد منتشر ويساقون للجزاء، وفي ذلك إثبات للبعث والنشور الذي كذب به المشركون، وذلك من قوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ {31}) إلى قوله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ {45}).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة لقمان
لطائف سورة ق
يمكننا أن نلاحظ بلاغة التعبير القرآني في سورة ق عند قراءة قوله تعالى: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) والفرق بين هذا التعبير وقوله تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) فالنار تقول هل من مزيد دليل على سعة جهنم وأنها تتسع لكل المجرمين والكفار لو ألقوا فيها، أما الجنة فقد أدنيت من المؤمنين المتقين حتى تكون بمرأى منهم زيادة في إكرامهم.
ومن عجائب هذه السورة وتمام مناسبتها لسورة الحجرات: أن الله قال فيها (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) لأن سورة الحجرات أكثرت في الحديث عن القول والألفاظ وتوابعها، وذلك من قوله تعالى في بدايتها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) إلى نهايتها (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ولذلك هنا قال (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) حتى لو كان حرف واحد (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فإذا جئت يوم القيامة ووضع الكتاب بين يديك مدّ البصر وبدأت تتصفحه (اقرأْ كِتابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) تهوّلت أنه ما من لفظ خرج من فمك إلا وقد قُيد، ولكن لا يكون الجزاء إلا على ما يكون به الخير أو الشر.
واستخدم الله تعالى أسلوب النفي والحصر في قوله: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا}، لأن ”ما” هنا تفيد النفي و”إلّا” تفيد الحصر، والمقصود هنا هو التأكيد والحصر أنّ كلّ لفظة تصدر من المرء يكتبانها، فالحسنة يكتبها الملك الذي على اليمين والسيئة يكتبها الملك الذي على اليسار.
أطلق الله على الملكين اللذان يسجلان ما يلفظ الإنسان به من قول “الرقيب” و”العتيد”، فهما صفتان وليسا اسمين، فالرقيب هو الذي يراقب كل حرف وكل كلمة وقيل كل عمل، والعتيد هو الحاضر المهيأ الجاهز للكتابة، إذًا “رقيب عتيد” هي صفة الملكين فكلاهما رقيب وكلاهما عتيد، أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات.
اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة ق