مقاصد سورة الفتح

تُعد سورة الفتح من السور المدنية؛ إذ إنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حينما رجع مع أصحابه من الحديبية، وقد بلغ عدد آياتها تسعاً وعشرين آية، أما كلماتها فبلغت خمسمئة وثلاثين كلمة، وحروفها ألفين وأربعمئة وثمان وثلاثين حرفاً، وكان نزول سورة الفتح قبل نزول سورة التوبة وبعد نزول سورة الصف، وتكثر مقاصد سورة الفتح كما أنها تتضمن عدة موضوعات شديدة الأهمية فضلًا على ما تشتمل عليه من فوائد لغوية.

مقاصد سورة الفتح

تعنى مقاصد سورة الفتح بأصول التشريع في العبادات والمعاملات والأخلاق والتوجيه، وتدور السورة حول الفتوحات والتجليات الربانية، وتتمثل مقاصد السورة تفصيلًا في:

  • ذكر الفتح المبين والتأييد العظيم الذي منّ به الله -تعالى- على رسوله وعلى المؤمنين.
  • بيان حسن العاقبة التي ظفر بها المسلمون بصلح الحديبية، فقد أزال الله الحزن من قلوب المؤمنين الذي أصابهم بسبب عدم أداء العمرة ومنحهم في المقابل السكينة والطمأنينة.
  • التأكيد على أن تحقيق الإيمان في قلوب الناس وانتشار الخير والطاعات وتعظيم الله -تعالى- كانت نتيجة من نتائج بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.
  • التشديد على كرامة النبي ومكانته عند الله؛ فقد بشّره الله بفتوحاتٍ كثيرةٍ تعقب صلح الحديبية.
  • الحديث عن البيعة التي حصلت يوم الحديبية، وبيان أنها مبايعة لله على القتال والاستشهاد في سبيله، وقد أيّد الله تلك البيعة بنصره وتمكينه للمسلمين.
  • إبراز صفات المنافقين المتخلّفين عن المشاركة في صلح الحديبية، ومن تلك الصفات: سوء ظنّهم بالله، وجُبنِهم.
  • تناول أصحاب الأعذار الذين يُباح لهم ترك القتال والتخلّف عنه، وبيان رفع الحرج والإثم عنهم.
  • مدح المؤمنين الذين بايعوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وذكر صفات النبي والذين آمنوا معه، وبيان أنّ تلك الصفات مذكورةٌ في التوارة والإنجيل من قبل، وذكر ما أعدّه الله من الأجر العظيم والثواب الحسن للذين آمنوا وعملوا الصالحات.

اقرأ أيضاً: مقاصد سورة غافر

موضوعات ومضامين سورة الفتح

سورة الفتح

بدأت السورة بالحديث عن صلح الحديبية الذي تم بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين في العام السادس من الهجرة، ووصفته بأنه نصر وفتح، فنزلت به السكينة في قلوب المسلمين، وأزال حزنهم من صدهم عن الاعتمار بالبيت، وكان المسلمون عِدَة لا تُغلب من قلة، فرأوا أنهم عادوا كالخائبين، فأعلمهم الله بأن العاقبة لهم، وأن دائرة السوء على المشركين والمنافقين، وقد كان هذا الصلح بداية للفتح الأعظم فتح مكة وبه تم العز للمسلمين ودخل الناس دين الله أفواجا، قال تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً {1} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً {2}) إلى قوله تعالى : (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {10}).

تناولت الآيات من سورة الفتح الذين تخلفوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعراب الذين في قلوبهم مرض ومن المنافقين الذين ظنوا الظنون السيئة برسول الله وبالمؤمنين فلم يخرجوا معهم ففضحتهم الآيات، قال تعالى: ( سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا … {11} ) إلى قوله تعالى : ( … يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً {17}).

تحدثت السورة عن جهاد المسلمين وعن بيعة الرضوان التي بايع فيها الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله حتى الموت، قال تعالى: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ .. {18} ) إلى قوله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً {26}).

خُتمت السورة بالرؤيا التي رآها صلى الله عليه وسلم في منامه في المدينة المنورة ففرحوا واستبشروا وهي دخول مكة آمنين، وقد تحققت الرؤيا فدخلوها في العام التالي معتمرين آمنين، كما أن السورة تضمنت في ختامها الثناء على الرسول الكريم وصحابته الأطهار، قال تعالى: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ … {27}) إلى قوله تعالى : ( .. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً {29}‏).

اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة الأحزاب

لطائف سورة الفتح

لطائف سورة الفتح

تتميز سورة الفتح بالمناسبة مع سورة محمد حيث قال العلامة الآلوسي في تفسيره “روح المعاني”: أن وضعها هنا بعد سورة محمد حسن لأن الفتح بمعنى النصر رُتِّب على القتال، كما ذكر في كل منهما المؤمنين المخلصين والمنافقين والمشركين، وولأنه قد جاء في السورة الأولى محمد (القتال) الأمر بالاستغفار، قال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} وذكر هنا في سورة الفتح وقوع المغفرة في قوله سبحانه: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}.

من العجائب القرآنية في سورة الفتح التي تحدث عنها الإمام البقاعي، هي أن هذه السورة  تتكون من تسع وعشرون آية، وقد جمعت حروف المعجم وهي تسع وعشرون حرفا، في آخر آية فيها، وهي قوله تعالى: {محمد رسول الله…} إلى آخرها، ولم تجتمع هذه الحروف في آية إلا في هذه السورة، وفي آية في أواخر سورة آل عمران، إشارة إلى علو التوحيد على كل كفر وهذا ما يتوافق مع الآية السابقة لها.

اشتملت سورة الفتح على بعض اللطائف البيانية مثل ما جاء في قوله تعالى: {وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّه}، حيث ضمّ الهاء بعد حرف الجر على، وهي من لغة أهل الحجاز، وقد استخدم الضم هنا لبيان ثقل البيعة في الحديبية، فقد جاءت بالضمة تناسباً مع أثقل الحركات، ولتفخيم لفظ الجلالة، لتفخيم هذه البيعة وهذا العهد الذي عاهد به الله -جل في علاه-، ومن الوقفات التدبرية في معاني السورة أن الله لم يغلق أبواب رحمته أمام المشركين، فرحمته وسعت كل شيء، قال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.

اقرأ أيضاً: أسباب نزول سورة الفتح

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *