سورة الزخرف هي السورة الثالثة والأربعون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي السورة الثانية والستون بحسب ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة فصلت، وقبل سورة الدخان. وعدد آياتها تسع وثمانون آية، وهي سورة مكية، وتتعدد مقاصد سورة الزخرف وما تشتمل عليه من موضوعات ومضامين.
مقاصد سورة الزخرف
يتمثل الهدف من سورة الزخرف في التأكيد على أركان الإيمان مع التحذير من الانبهار بالمظاهر المادية، وقد جاءت مقاصد سورة الزخرف تفصيلاً كالآتي:
- بيان أن القرآن المجيد يشتمل على ما يدل على أنه منزَّل من رب العالمين، فهو مؤهل لأن يُقْسِم الله به؛ لاشتماله على معاني كلماته الجليلة، ولعجز الخلائق منفردين ومجتمعين عن أن يأتوا بمثله. والتحدي بإعجاز القرآن؛ لأنه آية صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، مع بيان الله سبحانه بأن القرآن شرف للرسول صلى الله عليه وسلم ولقومه؛ إذ أنزله قرآناً عربيًّا بلسانهم من غير الأمم.
- إنذار المشركين بالقرآن بأنهم بسبب كفرهم يُعرِّضون أنفسهم لعذاب أليم، وإهلاك مستَأصَل، مشابه لما حصل للمهلَكين السابقين من كفار الأمم السابقة.
- عرض جدلي وإقناعي حول ربوبية الله، التي لا يشاركه فيها سواه. والتعجب من حال المشركين؛ إذ جمعوا بين الاعتراف بأن الله خالقهم والمنعم عليهم وخالق المخلوقات كلها وبين اتخاذهم آلهة يعبدونها شركاء لله، حتى إذا انتقض أساس عنادهم اتضح لهم ولغيرهم باطلهم.
- تشبيه لبعث الموتى يوم القيامة بإنبات الزروع، وإحياء الأرض الميتة بماء ينزله الله من السماء، مع بيان أن الله هو الذي خلق الأزواج كلها.
- إبطال عبادة كل ما دون الله على تفاوت درجات المعبودين في الشرف، فإنهم سواء في كونهم مخلوقين، لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
- امتنان من الله عز وجل على الناس بأنه خلق لهم ما يركبون في البر والبر، مقترن بتوجيههم أن يذكروا نعمة ربهم عليه.
- الرد على المشركين بشأن تعللهم لتسويغ عباداتهم الشركية بتقدير الله وقضائه الجبري، وإبطال هذا التعليل. ودحض فكرتهم بأنهم ليس لديهم حجة عقلية في عبادتهم شركاءهم، وليس لديهم كتاب من ربهم يأذن لهم فيه بأن يعبدوا آلهة غيره، وإنما هم يقلدون آباءهم تقليداً أعمى بعصبية مقيتة.
- بيان تبرؤ إبراهيم عليه السلام مما كان يعبد أبوه ومشركو قومه من دون الله. وبيان حقيقة ملة إبراهيم، وأنها ملة التوحيد الخالص، وأن كلمة التوحيد باقية في عقبه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءهم بها، ولكن المشركين استقبلوها واستقبلوه بغير ما كان ينبغي من ذرية إبراهيم.
- مجادلة مشركي مكة إبان التنزيل بشأن كفرهم بالقرآن، وادعائهم أنه نوع من السحر، واعتراضهم على تنزيل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن ينزل على رجل عظيم من مكة.
- التأكيد على أن الغنى المالي الذي يجعل صاحبه عظيماً بين الناس ليس في الحقيقة دليلاً على أن صاحبه عظيم مؤهل لأن يُنْزل الله عليه كتاباً لهداية الناس.
- تقرير أن من يكف بصر بصيرته عن تدبر آيات الله، يهيئ الله له قريناً من الشياطين، يصده عن سبيل الله، ويكون حين لقائه ربه يوم الدين نادماً.
- التيئيس من استجابة الصم، والعمي، الذين أثبتت التجارب المتكررة أنهم غير مطموع بإيمانهم وإسلامهم عن طريق إرادتهم الحرة.
- تكليف الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستمسك بما أوحى الله إليه، مع بيان أنه على صراط مستقيم.
- تخويف مشركي قريش ومن نحا نحوهم ممن بعدهم بأنهم يعرضون أنفسهم لانتقام الله منهم؛ إذا أصروا على عنادهم وكفرهم، وتكذيبهم رسول ربهم.
- إفحام من قال: إن عيسى ابن الله -تعالى الله عن ذلك- وإثبات أن عيسى عبد من عباد الله، أنعم عليه بالرسالة والنبوة. وبيان ما يقال لمن يجادل بشأن عيسى عليه السلام والتأكيد على أنه علامة من علامات الساعة، مع الرد على من زعم أن الملائكة بنات الله، وبيان أنه كان من الممكن أن يجعل الله الملائكة يسكنون الأرض بدل الناس فيها، وليس جعلهم سكان السماوات مغيراً لكونهم عباداً لله.
- إظهار واقع حال من لم يستجيبوا لنداء الحق، وإعلامهم بأن كل ما يبرمونه من أمر معلوم لله سبحانه، وأن الله يبرم ضدهم ما يعاقبهم به، إذا أصروا على عنادهم وكفرهم وتكذيبهم رسول ربهم إليهم.
- توجيه من الله سبحانه لرسوله -ولمن بعده من الدعاة- بأن يصفح عن سيئات المشركين والمعرضين، وأن ينهي الكلام معهم بكلمة {سلام} (الزخرف:89) وبأن ينذرهم بأنهم سوف يعلمون جزاءهم يوم الدين، وما يذوقونه من الجحيم.
اقرأ أيضاً: مقاصد سورة الزمر
لطائف سورة الزخرف
تتضمن سورة الزخرف بعض اللطائف القرآنية في سورة الزخرف كما يأتي: قوله تعالى: {وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} حيث جاء كلمة “منقلبون” متصلة باللام، وفي الشعراء: {إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} بحذف اللام، ربّما سيسأل سائلٌ ما الفرق بينهما؟ والإجابة على ذلك بأن ذلك إرشاد منه -سبحانه- موجّه لعباده ليقولوه في كل زمانٍ ومكان، فناسب التوكيد باللام الحث عليه، أما في آية سورة الشعراء أخبر -جل وعلا- عن قومٍ محددين مضوا فلم يكن للتوكيد معنى.
بينما ما ورد في قوله تعالى في هذه الآية: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}، وبعدها قوله تعالى: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} فإن المقصود في الآية الأولى هو قريش الذين بُعث نبي الهدى فيهم، فادعوا بأنهم هم وآباؤهم على هدى؛ ولذلك قال تعالى: {قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}، أما المقصود في الآية الثانية فهو الإخبار عن أممٍ سالفةٍ سابقةٍ لم تقل بأنها على هدى بل قالت باتباع آبائها؛ ولذلك قال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} ولم يقولوا: إنا كنا على هدى كما قالت قريش.
جاء في سورة الزخرف قوله تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}، وفي سورة يونس قوله تعالى: {فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، فإن ذلك معناه إن كنتم تزعمون أن له ولداً فأنا أول الموحدين، وقيل أيضاً: إنه تعليق على فرضٍ محال، وأن المعلق على المحال محالٌ، والله أعلى وأعلم.
اقرأ أيضاً: فضل سورة الزخرف