مقاصد سورة فصلت

تعد سورة فصلت من السور المكية التي نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم- باتفاق أهل العلم، وقد كان نزولها بعد نزول سورة غافر، وقبل نزول سورة الزخرف، إذ كانت الحادية والستين من حيث ترتيب النزول، وتتعدد مقاصد فصلت حيث تعنى السورة بأركان الإيمان وتأكيد معجزة القرآن الكريم ووضوح الرسالة وتفصيلها.

مقاصد سورة فصلت

مقاصد سورة فصلت

تتمثل مقاصد سورة فصلت فيما يأتي:

القرآن الكريم وموقف المشركين منه

بدأت سورة فصلت بالحديث عن القرآن الكريم الذي هو كتاب الله تعالى، فتؤكد السورة على أنه مُنزّل من الرحمن الرحيم وليس كتابًا مختلقًا كما يدعي المشركون، حتى يعلم المسلمون أن كتابهم هو المعجزة الخالدة التي أيدَ الله بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).

تُوضح الآيات موقف المشركين من القرآن الكريم حيث أنهم أعرضوا عنه برغم ما فيه من بشائر للمؤمنين وإنذارات للكافرين، فلا يسمعون له سماع قبول وإجابة، وبلغ من جحود المشركين أنهم قالوا للنبي أن قلوبهم في أغطية مانعة لنا من فهم ما يدعوهم إليه، وفي آذانهم صمم فلا نسمع، وأن بينهم وبين الرسالة ساتر يحجبهم عن إجابة الدعوة؛ ولذلك تضمنت الآيات إرشادًا للنبي صلى الله عليه بضرورة تبليغ الرسالة مهما بالغ المشركون في رفض الدعوة، فدور النبي هو التبشير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات والإنذار للمشركين من عقاب الله تعالى، وينتهي هذا الجزء من السورة بقوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).

الاحتجاج بالسنن الكونية على صدق الدعوة

تنتقل الآيات بعد ذلك في إثبات صدق الدعوة، وذلك بالتعجب من حال المشركين الذين يجعلون لله أندادًا رغم أنه الخالق الواحد لهذا الكون، وتذكر الآيات مظاهر قدرة الله تعالى الذي جعل في الأراضي رواسي من فوقها وبارك فيها بحيث جعل فيها الخير الدائم لأهلها وقدر أرزاقهم من الطعام والشراب وما يحتاجونه من المعاش في أربعة أيام فقط.

تبين الآيات مدى عظمة الله تعالى عندما قال للسماء والأرض: انقادا لأمري مختارتين أو مجبرتين، فقالتا: أتينا مذعنين لك، ليس لنا إرادة تخالف إرادتك، ومن ثم قضى الله خلق السماوات السبع وتسويتهن في يومين وأوحي في كل سماء ما أراده وما أمر به فيها وزينها بالنجوم وحفظها من الشيطان.

وذلك من قوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ) إلى قوله تعالى: (…ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).

تهديد المشركين بعاقبة الأمم السابقة

هدّدت الآيات المشركين من الاستمرار في الكفر ودعتهم إلى المسارعة بالإيمان قبل فوات الأوان حتى لا تُصيبهم نفس عاقبة الأمم السابقة مثل عاد وثمود، فقد جائتهم الرسل وأبلغوهم بالرسالة ووجوب الإيمان بالله وتوحيده، فاستكبروا عن الإيمان وأصروا على الكفر والجدال، فعاقبهم الله بعذاب استأصلهم من الأرض، ولم ينج من ذلك العذاب إلا المؤمنين بالله المتقين له.

وذلك من قوله تعالى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) إلى قوله تعالى: (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).

عقوبة أعداء الله عند الحشر

تستعرض الآيات ما أعده الله من مصير للكافرين عند الحشر، حيث يوزعون إلى النار، وترد زبانية العذاب أولهم على آخرهم، وعندها يُنكر الكافرون جرائمهم، فتشهد عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الذنوب والآثام؛ لأن الله يُنطق تلك الأعضاء، وانتقلت الآيات لتوجيه العتاب للمشركين الذين ظنوا أن الله لا يعلم الكثير من أعمالهم، فأصبحوا من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، فإن يصبروا على العذاب، فالنار مأواهم، وإن يسألوا الرجوع إلى الدنيا ليستأنفوا العمل الصالح، لا يجابوا إلى ذلك ولا تقبل منهم الأعذار.

تتناول الآيات تقييض الله قرناء فاسدين من شياطين الإنس والجن للكافرين ليزينوا لهم قبائح أعمالهم ويدعوهم إلى اللذات والشهوات المحرمة، فينسوا ذكر الله تعالى ويتواصون فيما بينهم بإنكار القرآن الكريم وعدم السماع له بل ورفع الصوت والتخليط على النبي وأتباعه إذا قرأوا القرآن، وبذلك استحق الكفار عذاب الله الشديد في الدنيا والآخرة حيث جعل الله لهم النار دار الخلود الدائم جزاءً لجحودهم.

وذلك من قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) إلى قوله تعالى: (….لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ).

ثواب المستقيمين في الدارين

تضمنت آيات سورة فصلت بيان ثواب المستقين في الدارين نظير إيمانهم وتقواهم، فمن قال ربنا الله تعالى ثم استقام على شريعته، يستحق الثواب كتنزل الملائكة عليهم عند الموت لتثبيتهم وتبشيرهم بالجنة، فليس هناك أحسن قولًا من الدعوة إلى التوحيد والعمل الصالح والانقياد لله تعالى، مع الإشارة إلى أنه لا يوفق لهذه الخصلة الحميدة إلا الذين صبروا أنفسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، وما يوفق لها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة وممن يستعينون بالله على وساوس الشيطان.

ذلك من قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) إلى قوله تعالى: (….فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

من آيات قدرة الله

اعتنت مقاصد سورة فصلت بالحديث عن الآيات الكونية المعروضة للأنظار في الكون الفسيح مثل خلق الليل والنهار والشمس والقمر وإحياء الأرض بعد موتها، وفي ذلك دليل على إمكانية البعث بعد الموت، لذلك تضمنت الآيات بعد ذلك تهديدًا للملحدين الذين ينكرون القرآن الكريم، كما حملت أيضًا تثبيتًا لفؤاد النبي، فكما أنكر المشركون القرآن الكريم واختلفوا فيه، فقد اختلف الناس من قبل في التوارة، وعاودت الآيات عن قدرة الله تعالى وعظمته وذلك من خلال التأكيد على اختصاص الله بعلم الغيب وموعد قيام الساعة.

وذلك من قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ …) إلى قوله تعالى : (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ).

طبيعة الإنسان في السراء والضراء

خُتمت سورة فصلت بالحديث عن طبيعة الإنسان في السراء والضراء ومدى تردد الإنسان بشأن ما يجري حوله من أحداث مع التأكيد في الختام على تحقق آيات الله ووعوده مهما بلغ الشك بالإنسان. وذلك من قوله تعالى: (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) إلى قوله تعالى: (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ).

اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة فصلت

لطائف سورة فصلت

سورة فصلت

هناك بعض اللطائف التي تساعدنا على فهم ما جاءت به سورة فصلت من آيات، ومن ذلك أن الله تعالى قال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}، وقد استُشكل ذلك مع ما جاء في سورة الزمر: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، وتفسير ذلك يكون بالقول: إنه في من علم الله تعالى عنه أنه لا يؤمن، أو أنه عام مخصوص بمن علم الله سبحانه ذاك الحال منه.

اشتملت سورة فصلت على بعض اللمسات البيانية مثل قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ}، بينما جاء في سورة النمل: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي} دون ذكر (ما)، وتفسير ذلك إن الله تعالى أراد تحقيق جزاء الشرط فيما بعده من معناه؛ لذلك فقد أكد بما على عادتهم مستخدمًا زيادة الحروف، أما إن لم يكن الجزاء بعيدًا عن معنى الشرط فلا يحتاج إلى تأكيد، ولفظ المجيء هنا لا يعقل منه، ولا يفهم منه شهادة سمع أو بصر؛ لذا فقد احتاج إلى تأكيد للشرط باستخدام (ما)، وإلى سؤال الخلق عند مجيئهم يوم القيامة مفهوم منه؛ وذلك لأنهم يعلمون أنه الحشر، فلم يلزم التوكيد، والله أعلى وأعلم.

اقرأ أيضًا: فضل سورة غافر

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *