موضوعات ومضامين سورة سبأ

تُعد موضوعات ومضامين سورة سبأ شديدة الأهمية لأنها تعني كل الناس؛ لما لها من أثر كبير على حيواتهم، فتناول في أجزاء منها موضوع نعم الله تعالى، التي قد يغفل عنها الكثيرون، مما قد يؤدي إلى خسارتهم في الدنيا والآخرة؛ إن لم يتداركوا أنفسهم، ويدور مجمل سورة سبأ حول قضايا العقيدة المركزية في الدين الإسلامي والتي تتمثل في الإقرار بالتوحيد والإيمان بالوحي وإثبات البعث والجزاء.

موضوعات ومضامين سورة سبأ

موضوعات ومضامين سورة سبأ

ترتكز موضوعات ومضامين سورة سبأ على تأكيد حقيقة الاستسلام لله هو السبيل لبقاء الحضارات، ويمكن تفصيل تلك الموضوعات على النحو التالي:

الاستفتاح بالحمد

افتُتِحَت سورة سبأ بحمد لله والتأكيد على أن الله تعالى هو مالك كل ما في السماوات، والأرض، وأنه وحده من أحاط بكل شيء علمًا، ومن هنا فإن المؤمن يعلم بالضرورة أن كل ما يُخبر به الله تعالى هو واقع لا محالة. يقول الله تعالى في مستهل سورة سبأ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ).

قضية البعث والجزاء

تستعرض سورة سبأ قضية البعث والجزاء باعتبارها واحدة من أهم الموضوعات التي تناقشها السورة، حيث تحدثت الآيات عن موقف الكافرين وإنكارهم للبعث، فقالوا لا تأتينا الساعة، ورد عليهم الله تعالى بشكل مباشر أن الساعة آتية لكي يُجزي الله تعالى كل فريق بما عملوا، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم، بينما سيكون مصير الكافرين هو العذاب الأليم، وتؤكد الآيات على أن أهل العلم يعلمون أن ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق وأنه يهدى إلى صراط مستقيم وذلك من أجل تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم.

وذلك من قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ…) إلى قوله تعالى: (…. إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ).

أمثلة على شكر النعمة وكفرها

تُقرر الآيات سنة من سنن الله في عباده، وهي أن النعم التي يمنحها الله عباده، إنما تدوم بشكر المنعم، وشكر المنعم إنما يكون بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، والاهتداء بهديه، وأن النعم تتحول إلى نقم وهلاك، إذا أعرض الإنسان عن هدي ربه، بفعله ما نهى الله عنه، وتركه ما أمره الله به، وسلوكه سبيل المفسدين والمكذبين والضالين.

ومن الأمثلة على شكر نعمة الله تعالى تذكر الآيات نبي الله داود الذي آتاه الله فضلًا كبيرًا، وقد تلقى تلك النعم بالشكر، كما أنعم الله على ابنه سليمان عليه السلام، فقد سخر الله له الريح والجن يعملون بين يده ما يشاء من محاريب وتمثايل وجفان وقدور راسيات وأكدت الآيات على أن الجن لا يعلمون الغيب بدليل أنهم استمروا في العمل رغم موت النبي سليمان، وما دلهم على موت إلا دابة الأرض تأكل منسأته؛ فلو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

تضمنت الآيات تهديدًا للمشركين وموعظتهم بما حل ببعض الأمم المشركة من قبل، وأن جعلهم لله شركاء كفران لنعمة الخالق وذلك مثل مملكة سبأ، وقد كان لهذه المملكة شأنٌ عظيم في الأرض، وكانوا يعيشون بنعمٍ كثيرة، وأرزاق وزروع وفيرة، وقد عبدوا الله واتبعوا صراطه المستقيم، فأفاض الله عليهم بنعمه وبركاته التي لا تعد ولا تحصى، فلما أعرضوا عن الله وجحدوا نعمته، حلت عليهم من الله نقمة وغضب شديد.

وذلك من قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) إلى قوله تعالى (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ).

حوار مع المشركين

تناولت سورة سبأ حوارًا مع المشركين يوم القيامة حيث طالبهم الله أن يدعوا الذين يزعمون أنهم آلهة من دون الله، فهم لا يملكون مثقال ذرة من السماوات والأرض، وعندما تقوم الساعة، فلن ينفع عندها الشفاعة إلا من أذن الله له، واشتملت الآيات على إقامة الحجة على المشركين وذلك من خلال سؤالهم حول من يرزقهم من السماوات والأرض، والتأكيد على أن الخالق والرازق هو الله تعالى وأنه هو الذي يجمع بين كافة الفرق والطوائف ثم يفتح بينهم بالحق، وأشارت الآيات في النهاية إلى اقتصار مهمة الرسل على تبليغ الرسالة والإنذار والتبشير.

ويبدأ هذا الموضوع من قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ) إلى قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

من مشاهد يوم القيامة

تذكر الآيات استعجال الكافرين لقيام الساعة، وترد عليهم بأن الساعة آتية ولن يستأخروا عنها ساعة ولا يستقدمون، ومن ثم تبدأ في عرض بعض مشاهد يوم القيامة، حيث يذكر الله عز وجلّ ما يحدث بين الظالمين من حوارات حينما يتبرأ الأتباع من المتبوعين كل واحد يلقي اللائمة على الآخر، وغالب الذين يقفون موقفًا معاديًا لدعوات الرسل هم المترفون لأن الشيطان يوحي إليهم أن اتباع الرسل سيزيل هذا الذي بين أيديهم، يقفون منها موقفا ولأن النعم على الإنسان الضعيف يكسبه الطغيان فلا يستمع إلى الحق.

وذلك من قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) إلى قوله تعالى: (…وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ).

دعوة للتفكر والنظر

تعود الآيات إلى ذكر بعض عقائد هؤلاء وشركهم، وتستمر إلى أن قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لهؤلاء المشركين إنما أعظكم بواحدة فقط من أعظم الأسباب التي تفتح للإنسان آفاق الخير والوصول للحق: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) فالتفكير وحده يدل على الحق خصوصًا وأن المرسلين لم يطلبوا من الناس أجرًا على الدعوة، فالقضية أنهم ليسوا طلاب دنيا ولا يطلبون من وراء دعوتهم شيئًا. يقول الله تعالى: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

مصرع المشركين

ختمت السورة ببيان مصرع الغابرين حينما يُحال بينهم وبين ما يشتهون بسبب كفرهم وتشكيكهم في الدعوة، والغرض من ذلك تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخويف وتحذير المشركين. وذلك من قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) إلى قوله تعالى: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ).

اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة النمل

لطائف سورة سبأ

تشتمل سورة سبأ على بعض اللطائف ومن ذلك اللمسة البلاغية من الاختلاف في الآيتين الكريمتين في سورة يونس: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}، وقال تعالى في سورة سبأ: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.

فقد قال في سورة يونس {مَا} والتي تفيد الحال، بينما قال في سورة سأ {لا} والتي تستخدم لنفي المستقبل قبل {يَعْزُبُ}، ويتضّح ذلك من سياق سرد الآيات، ففي سورة يونس تدل على مقدار إحاطة علم الله بالأشياء كلها، وفي سورة سبأ كان التعليق على قيام الساعة.

يظهر أيضًا استخدام أسلوب الجمع والتقديم والتأخير في الآيتين السابق ذكرهما، ففي سورة يونس، قال تعالى: {فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء}، وفي هذه الآية كان الله يخاطب أهل الأرض جميعًا، فقدّم الأرض التي هي مسكنهم، وجاء الجمع والتقديم للسماوات في سورة سبأ، في قوله تعالى: {فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}، وهذه الآية تتحدّث عن قيام الساعة والتي تكون في السماوات ولأهل السماء.

اقرأ أيضًا: دلالة إتيان الهدهد سليمان عليه السلام بخبر ملكة سبأ

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *