سورة الأحزاب من سور المثاني التي نزلت بالمدنية المنورة، ويبلغ عدد آياتها ثلاث وسبعين آية، وهي السورة الثالثة والثلاثين في ترتيب المصحف الشريف، وتشتمل موضوعات ومضامين سورة الأحزاب على العديد من الأحكام والتشريعات في المجتمع الإسلامي بالمدينة المنورة كما أنهم تهتم ببيان مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأحواله.
موضوعات ومضامين سورة الأحزاب
تعنى سورة الأحزاب بجوانب التشريع وتتناول حياة المسلمين الخاصة والعامة ولا سيما أمر الأسرة، فقد شرع القرآن الكريم من الأحكام ما يكفل لها الهناء، وأبطل بعض التقاليد الموروثة، كما طهر المجتمع من رواسب التخلف الجاهلي. وتتمثل موضوعات ومضامين سورة الأحزاب في:
توجيه الأمر للنبي بتقوى الله والتوكل عليه
بدأت السورة بدعوة النبي للتقوى والتوكل على الله واتباع تعاليم القرآن الكريم، وقد جاء ذلك التوجيه إلى النبي الذي هو أعلى الناس منزلة لكي يُفهم من ذلك أن الحكم عام، وفي تلك المقدمة تقرير أصل مهم في حياة المؤمن، وهو استشعار القلب لجلال الله، والاستسلام المطلق لإرادته، واتباع المنهج الذي اختاره، والتوكل عليه وحده والاطمئنان إلى حمايته ونصرته وتأييده مع إرشاد المؤمنين إلى عدم طاعة الكافرين والمنافقين، وتحمل ما ينالهم منهم من أذى، والتوكل على الله؛ فهو سبحانه نعم الوكيل.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا).
تصحيح مفاهيم اجتماعية خاطئة
حرصت سورة الأحزاب على تصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة والتي كانت سادت في المجتمع الجاهلي، ومن أهم تلك المفاهيم الجديدة التي جاء الإسلام لتقريرها أن الإنسان لا يملك أن يتجه إلى أكثر من اتجاه واحد، ولا أن يتبع أكثر من منهج واحد، وإلا نافق، واضطربت خطاه، وأضل السبيل، وتوحيد السبيل هو المنهج الذي أتبعه الإسلام لتهيئة النفوس لاستقبال التشريعات الجديدة التي جاء بها الإسلام.
من التشريعات الجديدة أن الإسلام أبطل عادة الظهار وعادة التبني فنفت أن يكون الأدعياء من الأبناء، كما أبطلت الآيات آثار المؤاخاة التي كانت بين المسلمين في بداية الهجرة، فردت الأمر إلى القرابة الطبيعية للإرث والدين، وبينت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرب للمؤمن من نفسه وزوجاته أمهاتهم في المحبة والاحترام. وذلك من قوله تعالى: (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ…) إلى قوله تعالى: (…إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا).
أخذ الميثاق من النبيين
انتقلت الآيات لتبين أن الله تعالى أخذ الميثاق من كل الأنبياء والرسل على القيام بدنه وسيسألون عنه، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا).
قصة غزوة الأحزاب
تحدثت الآيات بالتفصيل عن غزوة الخندق (غزوة الأحزاب) وصورتها بدقة، وتتناول الآيات نعمة الله على عباده المؤمنين بالنصر عندما تمالأ عليهم القوم، ولكن الله أحبط كيدهم وأرسل عليهم ريحًا وجنودًا لم يراها المسلمون، وكشفت الآيات خفايا المنافقين وحذرت منهم، فبعدما رأى المنافقون قدوم جنود المشركين إليهم، قالوا ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وبدأوا في محاولتهم الدائمة في تثبيط المسلمين، ولكن الله كفى المؤمنين شرهم وتحقق النصر لهم في هذه الغزوة المجيدة.
وذلك من قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ…) إلى قوله تعالى : (… يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة النور
الرسول هو الاسوة الحسنة وأصحابه نجوم يهتدى بها
أمرت الآيات المؤمنين بالاقتداء برسولهم الكريم في دروس التضحية والفداء، ثم أثنت الآيات على الصحابة، فموقفهم كان عكس المنافقين، فعندما رأوا الأحزاب، لم يخالجهم الشك في صدق ما وعدهم الله ورسوله؛ فأولئك هم المؤمنون حقًا الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ثم جاء الحديث عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في زهدهن بعد أن خيرهن النبي صلى الله عليه وسلم بين طلب الدنيا، أو طلب الآخرة، فطلبوا الآخرة وفي ذلك توجيه للمؤمنين إلى إيثار الله ورسوله والدار الآخرة على الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها، كما ذكر تعالى صفات المؤمنين وما ينالونه من درجات رفيعة.
وذلك من قوله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) إلى قوله تعالى : ( … وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).
زواج النبي من زينب بنت جحش
مقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم
تناولت الآيات بعض صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن النبي ليس أبًا لأحد من الصحابة ولكنه رسول الله وخاتم النبيين، كما بينت الآيات مهمة النبي صلّى الله عليه وسلم في تبليغ الدعوة وتبشير المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا مع نهيه عن طاعة الكافرين والمنافقين.
ذكرت الآيات حاله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه للتأسي والاقتداء به مع توضيح خصائصه صلى الله عليه وسلم في الزواج، والآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمنون عند دخولهم بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من الاستئذان وعدم الإثقال عليه، كما تدل تلك الآيات على عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند الله وفي الملأ الأعلى، والأمر بالصلاة عليه والسلام، وانتهى هذا القسم الخاص بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهه إلى حجاب زوجاته ونساء المؤمنات.
وذلك من قوله تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) إلى قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).
جزاء المنافقين والكفار
بينت الآيات لعنة الله للمنافقين إن لم ينتهوا عن مؤامراتهم الخبيثة، كما تضمنت الآيات تحذيرًا للكافرين إذا استمروا في كفرهم، حيث أعد الله لهم سعيرًا خالدين فيه أبدًا، وأوضحت الآيات موقفهم يوم القيامة وتخاصم السادة مع الأتباع. من قوله تعالى: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ….) إلى قوله تعالى: (رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا).
عظمة تكليف الإنسان وحمله الأمانة
خُتمت سورة الأحزاب ببعض التوجيهات والعظات للمؤمنين مع بيان عظمة تكليف الإنسان عندما تحمل الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها، وتدل تلك الآيات على ظلم الإنسان لنفسه وجهالته؛ ثم تضمنت الآيات جزاء الله لعباده المكلفين بالثواب إن كانوا مؤمنين، والعذاب إن كانوا كافرين أو منافقين. وذلك من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا) إلى قوله تعالى : ( … وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً).
اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة الأحزاب