موضوعات ومضامين سورة مريم

سورة مريم هي إحدى السور المكية، التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الرابع للبعثة، وعدد آياتها سبع وتسعون آية، وترتيبها بالنسبة لسور القرآن الكريم هو التاسع عشر، وأما ترتيبها بالنسبة للنزول فهو الرابع والأربعون فقد نزلت بعد سورة فاطر، وقبل سورة طه، ويتمثل الغرض من موضوعات ومضامين سورة مريم في تقرير التوحيد وتنزيه الله عما لا يليق به وتثبيت عقيدة الإيمان بالبعث والجزاء.

موضوعات ومضامين سورة مريم

سورة مريم

يدور محور سورة مريم حول رحمة الله تعالى وتوريث الدين للأبناء؛ ولذلك جاءت موضوعات ومضامين سورة مريم كالتالي:

رحمة الله بزكريا ويحيى عليهما السلام

ابتدأت سورة مريم بالأحرف المقطعة ومن ثم انتقلت مباشرة لعرض قصص بعض الأنبياء؛ فتناولت قصة نبي الله زكريا الذي كانت امرأته عاقرًا فدعا ربه سبحانه وتعالى دعوة الملهوف أن يرزقه الغلام الصالح الذي يرثه ويرث من آل يعقوب ممن جعل الله فيهم النبوة، فجاءت إليه البشارة سريعًا بأن الله سوف يرزقه بغلام اسمه يحيى لم يجعل له من قبل سميا، ورغم تعجب زكريا من استجابة الدعوة لأن امرأته عاقرًا ولكونه بلغ من الكبر عتيا، لكنه كان يعرف أن هذا هين على الله تعالى، فهو الذي خلق الإنسان من قبل ولم يكن شيئًا؛ فليس بعجيب أن يرزقه الذرية الصالحة وهو نبي الله يحيى وتضمنت الآية خطاب النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام بأن يأخذ ما علمه سبحانه من الكتاب بقوة، وهو في الوقت نفسه أمر لعموم المؤمنين بأن يأخذوا أمور الدين والدنيا بجد وحرص واجتهاد. ويبدأ هذا القسم مع مطلع السورة حيث قال تعالى: (كهيعص {1} ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا {2}) إلى قوله تعالى : (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً {15}).

رحمة الله بمريم وعيسى عليهما السلام

انتقلت الآيات بعد ذلك لتعرض قصة أكثر غرابة تدل على عظيم رحمة الله تعالى وهي قصة مريم العذراء وإنجابها لطفل من غير أن يكون له أب، وفي ذلك دليل على مدى عظمة الله تعالى وإعجازه في الخلق، حيث تُخبر القصة عن انتباذ مريم لمكان شرقيا، ومن ثم إرسال الله روح القدس لها في صورة بشر، فما كان منها إلا أن استعاذت بالرحمن منه، فأخبرها بأنه رسول الله إليها لكي يهب لها غلام زكيا، فتعجب مريم أشد العجب لأنها ما زالت عذراء ولم يمسسها بشر ولم تكن بغيا، فأجابها الملك بأن هذه حكمة الله تعالى لكي يكون ابنها آية للناس ما بقي الدهر، وكانت المعجزة أن المولود الصغير تحدث في المهد ليهون على أمه ويُطالبها بألا تحزن وأن تهز بجذع النخلة وتأكل منه وتشرب وعندما تواجه قومها، فتُشير إليهم بأنها نذرت للرحمن صومًا فلن تكلم أحدًا، وبمجرد رؤية القوم لمريم ومعها الابن الصغير استنكر القوم ورموها بالبغاء، فلما أشارت إلى المسيح عليه السلام، تكلم وأخبرهم بأنه عبد الله ونبيه، وفي حديث المسيح في المهد فصل في قضية عيسى عليه السلام التي كثر فيها الجدل، واختلفت فيها أحزاب اليهود والنصارى. وذلك من قوله تعالى🙁 وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً {16}) إلى قوله تعالى: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {39}).

رحمة الله بإبراهيم عليه السلام

تعرض الآيات بعد ذلك رحمة الله بنبيه إبراهيم وذلك من خلال الحديث عن قصة إبراهيم مع أبيه، ورفض النبي إبراهيم لعبادة الأوثان منذ الصغر وتفنيده لأباطيل الشرك واعتزاله لقومه حينما رفضوا الرجوع إلى طريق الحق بترك عبادة الأصنام، ومن ثم تحدثت الآيات بعد ذلك عن من الله على نبيه إبراهيم بأن رزقه الذرية الصالحة إسحاق ويعقوب، وفي ذلك دلالة على ضرورة اعتزال الشرك فضلًا عن التأكيد على وحدة الرسالات وتوحيد الدعوة إلى الله تعالى، ويبدأ هذا الجزء من قوله تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ {40} وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً {41}) إلى قوله تعالى : (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً {50}).

رحمة الله بموسى و هارون عليهما السلام

ذكرت الآيات بعد ذلك رحمة الله بالنبي موسى عليه السلام وذلك من خلال استعراض قصتهما ونداء الله تعالى للنبي موسى وشد عضده بأخيه هارون عليه السلام الذي كان له خير عون في أداء الرسالة، وذلك من قوله تعالى: (‏وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً {51}) إلى قوله تعالى : (وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا {53}).

رحمة الله بإسماعيل و إدريس عليهما السلام

تواصل السورة الحديث عن رحمة الله تعالى بأنبيائه الكرام وذلك من خلال الحديث عن اثنين من الأنبياء وهما إسماعيل وإدريس، وقد وصفت الآيات نبي الله إسماعيل بصدق الوعد وأمره له بالصلاة والزكاة، كما وصفت نبي الله إدريس بالصدق والرفعة. وذلك من قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ…{54}) إلى قوله تعالى: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا {58}).

اقرأ أيضًا: فضل سورة مريم

موضوعات ومضامين سورة مريم

طريق النجاة

حذرت الآيات الكريمة من إضاعة الصلوات واتباع الشهوات، وبينت طريق النجاة الذي يتمثل في التوبة إلى الله والعمل الصالح، كما أظهرت السورة ما أعده الله من نعيم وجزاء للناجين من طريق الشهوات، حيث وعدهم الله تعالى بجنات عدن لا يسمعون فيها لغوًا، وأنهم سيرزقون فيها بكرة وعشيا. وذلك من قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً {59}) إلى قوله تعالى : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً {65}).

جولات مع شبهات الكافرين وأبطالهم

تحدثت الآيات عن بعض شبهات الكافرين بالبعث والنشور وردت عليهم بالحجج والبراهين، وفي ذلك السياق أكدت الآيات على وحدانية الله تعالى؛ إذ إن توحيد الله هو الأصل الذي لا يقبل من الإنسان أي عمل إن أخل به، بل قد يكون العمل الذي اختلط فيه شرك أو رياء وبالاً على صاحبه، كما أن أعظم الذنوب على الإطلاق؛ هو الشرك بالله تعالى، فلو جاء الموحد ربه يوم القيامة بشتّى الذنوب إلا أنه لا يشرك بالله شيئاً، فربّما يغفر الله تعالى ذنوبه ويعفو عنه، ولكن إن جاء ربه وهو مشرك، فلا غفران له؛ لذلك يبيّن الله تعالى قول اليهود والنصارى والمشركين من اتخاذ الله تعالى للولد، ثم يوضّح آثار ذلك الادعاء الباطل على الكون؛ إذ إن السماوات تكاد تتشقّق، وتتكسر، وتسقط على الأرض، وتتصدع الأرض وتتقطع إلى أجزاء، وتنهار الجبال من شدة هذا الادعاء الذي يكاد يدمر الدنيا بما فيها. وذلك من قوله تعالى: (وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً {66}) إلى قوله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {95}‏).

محبته تعالى لأوليائه

تُختم السورة الكريمة ببيان محبة الله تعالى لأوليائه ممن يعملون الصالحات، حيث يجعل الله لهم ودًا، ومن التنويه بالقرآن الكريم الذي جعله الله بشيرًا لأوليائه المتقين ونذيرًا لأعدائه المعاندين كما هلكت من قبلهم الأمم في القرون الغابرة. وذلك من قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا {96}‏) إلى قوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا {98}‏).

اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة مريم

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *