سورة الحجر من سور القرآن الكريم المكية التي نزلت على الرسول -عليه السلام- قبل الهجرة النبوية باستثناء الآية السابعة والثمانون لأنها آية مدنية، نزلت على الرسول -عليه السلام- في المدينة المنورة، وقد نزلت سورة الحجر بعد سورة يوسف، وهي من السور المثاني، ومجموع آياتها تسع وتسعون آية، وترتيبها في المصحف الشريف السورة الخامسة عشرة، وتتسم موضوعات ومضامين سورة الحجر بأهمية بالغة؛ لأنها تعنى بالجانب العقدي.
موضوعات ومضامين سورة الحجر
تستهدف سورة الحجر المقاصد الأساسية للعقيدة الإسلامية (الوحدانية والنبوة والبعث والجزاء)، ويدور محورها حول مصارع الطغاة والمكذبين لرسل الله في شتى الأزمان والعصور، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة الحجر تفصيلاً في:
سنة الله تعالى في إرسال الرسل
ابتدأت سورة الحجر بالحروف المقطعة والحديث عن القرآن الكريم والمعجزة الخالد لهذا الكتاب {الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ}، ومن ثم انتقلت الآيات للإنذار والتهديد والوعيد لكل الطغاة مع توضيح المآل الذي سيصيرون عليه يوم القيامة من العذاب الشديد، وفي ذلك حث على اغتنام فرصة النجاة والالتحاق بقافلة الإسلام قبل أن تضيع الطريق ويأتي اليوم الذي يتمنى فيه المعرضون لو أنهم مسلمون، ولن ينفعهم ذلك يومئذٍ، ولن يغني عنهم العذاب، وبيان كيف أن طول الأمل يُلهي الإنسان فيظلّ يجري وراء الدنيا ولا يتذكر أنّ الموت قريب، ومن مقاصد سورة الحجر أيضًا أنها بينت كيف أن سنن الله -تعالى- ثابتة وباقية ولا تختلف ولا تتغير، وأن اندثار الأمم وهلاكها جاء بسبب سلوكها غير القويم، إذ يقول -تعالى-: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ * مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ}.
وفي السورة تأكيد على التعهد بحفظ القرآن الكريم حيث أن الله عز وجل هو مُنزل القرآن، وهو الحافظ له من كل محاولات التحريف والتبديل والتشويه، وهذه ميزة لم تحظ بها الكُتب السماويّة السابقة التي تحرفت وتبدلت نصوصها، وبعدها بينت آيات سورة الحجر نموذج للإنسان كيف تُغلق بصيرته وتفسد فطرته ويُصبح غير قادرٍ على استقبال الحق، وذلك في قوله -تعالى-: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ}.
إقامة الحجة على الكافرين
استعرضت الآيات من قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} بعض مظاهر قدرته تعالى في الخلق وحفظه للسماء من استراق السمع ويعدد تعالى نعمه الكثيرة على الإنسان ليشكره تعالى عليها وفي ذلك إقامة الحجة على الكافرين الذين ينكرون البعث ويُكذبون بالرسل والرسالات التي أرسلها الله تعالى، كما بينت الآيات أن الجمال هو من الغايات المقصودة في هذا الكون، وهذا الجمال لا يناله رجس أو دنس ولا يستطيع الشيطان أن يعبث به، وبيّنت أن أرزاق العباد مقدرة بيد الله -تعالى-، إذ يقول -تعالى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}.
بيان أصل الغوابة والهدية
أكدّت الآيات من قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} على أن الموت والحياة بيد الله وحده الذي سيرث الأرض ومن عليها، وأن أصل الإنسان والحياة كلها من طين، وبينت السورة وجود معركة مصيرية وخالدة بين الإنسان والشيطان على الأرض، تبدأ باستدراج الشيطان للإنسان وإبعاده عن منهج الله -تعالى-، لكن الذين يؤمنون بوحدانية الله ويخلصون في العبادة فلن يكون للشيطان عليهم أي سبيل، وتُبيّن السورة أن المتقين يُراقبون الله في حركاتهم وجميع سلوكهم. وفي هذا السياق عرضت الآيات قصة خلق آدم عليه السلام وسجود الملائكة له إلا إبليس وطرده من رحمة الله وتعهده بإضلال الناس إلا عباد الله المخلصين، وتتوعده الآيات وأتباعه بالعذاب الأليم في الآخرة ، كما تبشر المتقين بجنات النعيم، وذلك من قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} إلى قوله تعالى : {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ}.
مصارع الغابرين
انتقلت الآيات بعد ذلك إلى قصص بعض الأنبياء وما تعرض له الأقوام المكذبون من العذاب والهلاك نتيجة تكذبيهم، وقد تضمنت سورة الحجر قصص إبراهيم ولوط عليهما السلام وأصحاب الحجر وأصحاب الأيكة، وأكدت السورة أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأكدت على خلق السماوات والأرض وما بينهما، وذلك من قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ} إلى قوله تعالى : {فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
وفي بيان أحوال الأمم السابقة إشارة إلى ضرورة الاعتبار من سنن الله التي مضت في حقهم، وأوضحت أنه تبعاً لعمل القرى والأمم يكون المصير والجزاء، فإذا آمنوا وأحسنوا وأصلحوا، مد الله في أجلهم، وإذا كانت أعمالهم مخالفة ومغايرة للحق عندها تبلغ الأمة أجلها وتنتهي قوتها، وينتهي وجودها، إما بالهلاك والاندثار، وإما بالضعف والفتور.
الخطاب للرسول الكريم بالمضي بأمر الدعوة
ركزت خاتمة السورة على طبيعة الدعوة التي يحملها النبي -عليه السلام-: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}، وبينت السورة أن الحق عميق جداً، وأن القرآن الكريم من عناصر هذا الحق، ودعت السورة أمة محمد -عليه السلام- إلى عدم الاغترار بما آتاهم الله، لأن هذا ابتلاء امتحان من الله -تعالى-، ووجهت السورة خطاباً للرسول -عليه السلام- أن يمضي بما أمره الله به وأن يُسبح الله ويحمده ويصبر على أذى المشركين وإعراضهم، كما تضمنت الخاتمة بشارة بقرب النصر، ويبدأ هذا القسم من قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} إلى قوله تعالى : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.
لطائف سورة الحجر
تمتاز سورة الحجر ببعض اللطائف واللمسات البيانية، ومن أبرزها قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} فحينما أراد الله تعالى أن يُصوّر ما كان عليه نبي الله إبراهيم من خوف ووجل، استخدم الجملة الاسمية المبدوءة ب”إنّ” والتي تُستخدم بغرض التوكيد ومن ثم أتبعها بصفة مشبهة “وجلون” والتي تعبر عن حالة الخوف الشديد فقال تعالى: {إنا منكمۡ وجلون}، ثم بعد ذلك أخرجه مخرج العموم والشمول ليشمل أهل البيت جميعا فذكر ذلك باستخدام صيغة الجمع، أما في سورة الذاريات فقد عبر الله تعالى عن ذلك باستخدام الجملة الفعلية غير المؤكدة، وذكر ذلك بصورة الإفراد دون الجمع في قوله -تعالى-: {فأوجس منهم خيفة} ووصف الضيف بأنهم مكرمون.
في سورة الحجر، لم يجرِ ذكر لتكريم الضيف، حيث كانت حالة نبي الله إبراهيم وما عليه من الخوف الشديد لا تتناسب إطلاقاً مع ذكر التكريم؛ لأن التكريم يحتاج إلى حالة من الانشراح النفسي والانفتاح، وبذلك يلاحظ أن المقام في سورة الحجر لم يكن موجودا لذكر التكريم، فلم يذكر، بل عبر عنه بتعابير تدل على القلق والاضطراب وعدم الارتياح، أما عندما واجه إبراهيم -عليه السلام- ضيفه بالخوف والفزع منهم فإنهم قد واجهوه بالبشرى ليطمئن ويهدأ، فقالوا له: {إنا نبشرك بغلٰم عليمٖ}.
اقرأ أيضاً: فوائد من سورة يوسف