تحمل بعض سور القران الكريم أسماء أنبياء الله الذين أرسلهم إلى أقوام شتى، وكلفهم بالدعوة الإسلامية وإبلاغ الرسالة وأيدهم بالحجج والبراهين، وإنه لأمر جلي أن تسمية بعض السور بأسماء الأنبياء هو تكريم لهم وذلك بتخليد ذكرهم في القران إلى يوم الدين، وسورة يونس واحدة من السور التي تحمل اسم نبي من أنبياء الله، وتتعدد موضوعات ومضامين سورة يونس والأهداف التي تدعو إليها.
موضوعات ومضامين سورة يونس
سورة يونس من السور التي تعنى بأصول العقيدة الإسلامية : (الإيمان بالله تعالى، والإيمان بالكتب، والرسل، والبعث والجزاء) وتتميز بطابع التوجيه إلى الإيمان بالرسالات والكتب السماوية وبوجه أخص (القرآن الكريم) المعجزة الخالدة على مدى العصور، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة يونس في:
إنكار موقف المشركين من الوحي
تحدثت السورة في البدء عن الرسالة والرسول ، و بيّنت أن هذه الرسالة سنة الأولين فلا داعي لعجب المشركين فما كان من أمة إلا وفيها نذير، وفي ذلك السياق تناولت الآية قضية تفرد الله بالخلق وبيان مظاهر قدرته وعظمته من أجل إثبات البعث والجزاء الذي يُنكره المشركون، وذلك من قوله تعالى : ({الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ {1}) إلى قوله تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ {6}).
جزاء المؤمنين و الكفار
ذكرت الآيات تكذيب الأمم السابقة لدعوة الله وعن عبادتهم للأوثان وساقت الأدلة على فساد عبادتهم، مع توضيح عاقبة المكذبين والكافرين، وفي المقابل أوضحت الآيات جزاء المؤمنين يوم القيامة وما أعده الله لهم النعيم. وذلك من قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ {7}) ، إلى قوله تعالى : (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين {10}).
حلم الله مع المستعجلين للعذاب وسنته بإهلاك الظالمين
تناولت الآيات بعد ذلك حلم الله تعالى مع من يستعجلون العذاب حتى لا يأخذهم وهم في طغيانهم يعمهون من أجل إقامة الحجة عليهم، وكشفت الآيات طبيعة الإنسان فهو سرعان ما يلجأ إلى الله تعالى بالدعاء عندما يمسسه الضر، وبمجرد انكشاف الضر عنه، يتولى مدبراً عن طريق الله؛ ولذلك يُذكّر الله تعالى بمصير الظالمين من الأقوام السابقين عندما جاءتهم الرسالات وكذبوا بها، فعلى الإنسان أن يستفيد من ذلك ويعتبر. وبدأ هذا الموضوع من قوله تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ… {11})، إلى قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {14}).
مطالبة المشركين تبديل القرآن
انتقلت الآيات للحديث عن شبهات المشركين حول الرسالة والقرآن والرد عليها بالحجج والبراهين، وذلك من قوله تعالى : (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً… {12}) ، إلى قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ {20}).
حرص الناس على الحياة الفانية
أكدّت الآيات على أن الناس، مهما اختلف الزمان والمكان، حريصون على الحياة الدنيا، كما أن عادة المشركين هي الجحود والعصيان سواء في الشدة أو الرخاء، وضربت الآيات بهم المثل بأنهم أشبه بالحياة الدنيا في الزوال والفناء، ثم عادت إلى ذكر الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين، وذلك من قوله تعالى : (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ {21}) إلى قوله تعالى : (…فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ {39})
نفي التهمة عن القرآن وانقسام المشركين حوله
لما تناولت الآيات طعن الكفار في أمر النبوة، ذكرت تكذيب الكفار وجحودهم بالله تعالى وآياته أيضاً، ثم ردت عليهم بالحجج والبراهين وبينت مآلهم وعذابهم يوم القيامة، وذلك من قوله تعالى : (وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ {40}) إلى قوله تعالى : (….وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {61}).
قواعد الجزاء
اشتملت الآيات على بعض قواعد الجزاء، فإن أولياء الله من المؤمنين الذين يخافون الله لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وفي ذلك ترغيب للمؤمنين بالإيمان ومواساة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجزع عندما يُقابل المشركون الدعوة بالصدود والإنكار والاستهزاء، وتابعت الآيات الرد على المنكرين الجاحدين بالقرآن الكريم ، من قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62}) إلى قوله تعالى : ( مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ {70}).
نصر الله لأوليائه من الأنبياء وأتباعه
تضمنت سورة يونس بعض قصص الأنبياء من أجل التأكيد على نصر الله لأنبيائه وأتباعه وفي ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم لتهون عليه الشدائد، وفي كل قصة عبرة لمن اعتبر، وهذه القصص هي:
- قصة نوح عليه السّلام مع قومه، من قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ .. {71}) ) إلى قوله تعالى : (…كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ {74}).
- قصة موسى وهارون عليهما السلام مع الطاغية فرعون وقومه، من قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ {75}) إلى قوله تعالى : (وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ {97}).
- قصة يونس عليه السلام مع قومه وقد سُميت هذه السورة باسم النبي يونس، وبدأت من قوله تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ… {98} ) إلى قوله تعالى : ( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ {103}.
الدعوة إلى الدين الحق واتباع الإسلام
خُتمت السورة الكريمة بالدعوة إلى الدين الحق وهو الإسلام وذلك من خلال بيان حقيقة التوحيد، وأن الإنسان لا ينجيه عند الله يوم القيامة إلا الإيمان، وذلك من قوله تعالى : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ.. {104}) إلى قوله تعالى: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ {109}).
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة المائدة
لطائف من سورة يونس
جاء في قوله تعالى في آية سورة يونس: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}، وفي سورة الفرقان قوله -تعالى-: {مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ}، قيل في الفرق بين هاتين الآيتين أنّه عندما تقدّم {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، فإنه كان مناسباً تقديم الضر لإيصال معنى: أن لا يضرهم في حال عصوه كما لا ينفعهم في حال أطاعوه، أما في اية الفرقان فقد تقدم ذكر النعم وتعدادها، فناسب ذلك تقديم النفع، أي إن المعنى قد أصبح: ما لا ينفعهم بنعمة من النعم.
وفي قوله -تعالى-: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}، وكذلك وردت في سورة فاطر، وقال في سورة المنافقون: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} فإن جواب ذلك بالقول: إن العزة لله جميعا ولرسوله والمؤمنين منهم، وقد أعطاها -جل وعلا- لهم، وجعل عزته من عزتهم، فهو من اختص بها وحده، وإذا ما تم التفكر في قوله -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ}، وقوله -تعالى- في سورة الزّمر: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ}، يمكن بعد التفكر ملاحظة أنه لما أراد رب السماوات والأرض أن يفرد النفس فقد ناسب ذلك الاكتفاء بقوله: {مَا فِي الْأَرْضِ}، أما عندما أراد الجمع فقال: {الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ ناسب ذلك ذكر الفداء بما هو في الأرض واستخدم لفظة {مِثْله}.