المقصود بملة ابراهيم
يُقصد بكلمة الملة الدين سواء كان حقًا أو باطلًا، فمن إطلاقها عليهما جاء قول يوسف عليه السلام: “إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ* وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ”، ويسأل الكثير من الباحثين عن المقصود بملة ابراهيم عليه السلام الحنيفية.
المقصود بملة ابراهيم
يأمر الحق جلا وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: {صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}. و المقصود بملة ابراهيم الحنيفية هي الاعتقاد بالتوحيد أي أن الله تعالى هو خالق كل شيء وهو واحد لا شريك له، وأن جميع العبادات يتم تقديمها لله تعالى فقط.
تُعد ملة إبراهيم الحنيفية أقدم الديانات السماوية، وقد سمّت كل المؤمنين بالله المسلمين، وتأتي الدعوة إلى الإيمان بملة إبراهيم لإيضاح أن جوهر الإيمان لا يحتمل الخلاف، فركب الإيمان والرسل والأنبياء هو ركب واحد.
اقرأ أيضًا: اسئلة دينية اسلامية للمسابقات
الحنيفية
تعني كلمة {حَنِيفاً} التي تصف سيدنا إبراهيم عليه السلام: الذي يسير على خط مستقيم، ويتبع منهجا قويما ومستويا ونحن نسمى ملتنا ” الحنيفية السمحاء ” ومع ذلك فالحنف هل ميل في الساقين، اليمين مقوسة إلى اليمين، واليسار مقوسة إلى اليسار، فكيف إذن نقول عن الدين الحق الهادي لمنهج الله وشريعته: إنه حنيف؟
يرجع ذلك إلى إن السماء لا تتدخل بإرسال الرسل إلا حين يعم الفساد، وما دام الفساد قد عم فإن الذي يميل منحرفا عن الفساد هو الذي اهتدى إلى الصراط المستقيم، فالحنيف معناه مائل عن الفساد، فالمائل عن المعوج معتدل، {قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِين}.
{صَدَقَ ٱللَّهُ} نعم؛ لأن الصدق هو أن يطابق القول ما وقع فعلا، وحين يتكلم الحق وهو العليم أزلا فما الذي يحدث؟ لا بد أن يوافق الواقع ما يقوله سبحانه وتعالى فليس من المعقول أن يتكلم الله كلاما يأتي على لسان رسول، أو على لسان أتباع الرسول، وبعد ذلك يأتي واقع الحياة فينقض قول الحق ويخالفه، إن الحق العليم أزلا يُنزل من الكلام ما هو في صالح الدعوة إلى منهجه.
حين يطلق الله قضية من قضايا الإيمان فإنه – سبحانه – عليم أزلا أنها سوف تحدث على وفق ما قال، إن كان الظرف الذي قيلت فيه لا يشجع على استيعابها وفهمها. إن المؤمنين كانوا في أول الأمر مضطهدين، ومرهقين وإن لم يكن للواحد منهم عشيرة تحميه فإنه يهاجر عن البلاد، وإن لم يستطع الهجرة فإنه يُعَذب ويضطهد. وفي هذه الفترة الشديدة القاسية وفي قمة اضطهاد المؤمنين ينزل القول الحق: { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45]
وعندما يسمع سيدنا عمر عليه رضوان الله هذا القول يتساءل: أي جمع هذا؟ إن الواقع لا يساعد على هذا، ثم جاءت بدر، وهزم المؤمنون الجمعَ وولوا الدبر, وهذا دليل على أن الله قد أطلق قضية وضمن أنها ستحدث كما قال وكما أخبر، وهذا مطلق الصدق. إن الإنسان يمكنه أن يستبعد الصدق لو أن الذي قال غير الذي خلق، لكن الذي قال ذلك هو الذي خلق ويخلق ويعلم، فمن أين يأتي التناقض؟ وهذا معنى القول الكريم: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [النساء: 82] إنه قول حق جاء من عند العليم أزلا.
اقرأ أيضًا: فوائد من سورة إبراهيم
ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا
من العجيب أن أهل الكتاب من يهود ونصارى يتمسحون في سيدنا إبراهيم، فقال بعضهم: إن إبراهيم عليه السلام كان يهوديا، وبعضهم قال: إن إبراهيم كان نصرانيا. وكان يجب أن يفهموا أن اليهودية والنصرانية إنما جاءتا من بعد إبراهيم، فكيف يكون يهوديا أو نصرانيا وهذه الملل قد جاءت من بعده؟ لذلك جاء القرآن الكريم قائلاً: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [آل عمران: 65]
وقد أوضح الحق بعد ذلك دين إبراهيم عليه السلام: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [آل عمران: 67] فكيف يمكن أن يختلقوا على إبراهيم أنه كان يهوديا أو نصرانيا؟ إنه كلام لا يصدر إلا عن غفلة بالغة وانعدام فطنة.
وعندما يقول الحق عن إبراهيم: { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِين } فهل أهل الكتاب مشركون؟ نعم؛ لأنهم حين يؤمنون بأن عزير ابن الله في اليهودية، ويؤمنون بأن عيسى ابن الله في النصرانية فهذا إشراك بالله، وأيضا كان العرب عبدة الأصنام يقولون: إنهم على ملة إبراهيم؛ لأن شعائر الحج جاء بها إبراهيم عليه السلام، ولهذا ينزه الحق سبحانه سيدنا إبراهيم عن ذلك، كما يدل ذلك أيضا على أن ملة إبراهيم وما جاء به موافقة لملة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من شريعة الإسلام، وإجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام.
اقرأ أيضًا: من هي فرقة الصابئة