سورة الكافرون هي السورة التاسعة بعد المئة في ترتيب سور القرآن الكريم وتقع في الجزء الثلاثين، تسبقها سورة الكوثر وتليها سورة النصر وهي تعتبر من قصار السور، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة الكافرون ومضامينها بالإضافة إلى اللمسات البيانية المتعلقة بهذه السورة المباركة.
فضل سورة الكافرون
ورَدَ في فضل سورة الكافرون أحاديث صحيحة في كتب الحديث التي يُعتَدُّ بها مثل الحديث الذي رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس:
حيث أنها تعدلُ رُبع القرآن في الأجر لكنها لا تُغني عن قراءة كامل القرآن لحديث: (”قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ” تعدلُ ثلثَ القرآنِ و”قُلْ يَا أيُّهَا الْكَافِرُونَ” تعدلُ ربعَ القرآنِ). (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : السيوطي | المصدر : الجامع الصغير، الصفحة أو الرقم: 654 | خلاصة حكم المحدث : صحيح )) وهذا لا يعني بالطبع أنها تغني عن قراءة جميع سور القرآن الكريم. ))
جاء أيضًا في فضل سورة الكافرون أنها من السور التي يُستحب قرائتها في ركعة السنة الأولى من صلاة الفجر بدليل الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله: (أنَّ رجلًا قام فركَع ركعتَيِ الفجرِ فقرَأ في الرَّكعةِ الأولى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] حتَّى انقضَتِ السُّورةُ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( هذا عبدٌ عرَف ربَّه ) وقرَأ في الآخِرةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] حتَّى انقضَتِ السُّورةُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( هذا عبدٌ آمَن بربِّه ) فقال طلحةُ: فأنا أستحبُّ أنْ أقرَأَ بهاتَيْنِ السُّورتَيْنِ في هاتَيْنِ الرَّكعتَيْنِ). (( الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 2460 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ))
من فضائل سورة الكافرون أنها براءة من الشرك ويُستحب قرائتها قبل النوم لحديث نوفل بن فروة الأشجعي: (أنَّه قالَ يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أقولُهُ إذا أويتُ إلى فراشي فقالَ اقرأ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } فإنَّها براءةٌ منَ الشِّركِ). (( الراوي : نوفل بن فروة الأشجعي | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : تخريج مشكاة المصابيح، الصفحة أو الرقم: 2/383 | خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة] ))
ورد في السنة استحباب قراءة سورة الكافرون في صلاة المغرب ليلة الجمعة فعن جابر بن سمرة أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان يقرأُ في صلاةِ المغربِ ليلةَ الجمعةِ ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، وكان يقرأُ في صلاةِ العشاءِ الآخرةِ ليلةَ الجمعةِ سورةَ الجمعةِ والمنافقينَ. (( الراوي : جابر بن سمرة | المحدث : ابن حبان | المصدر : الثقات، الصفحة أو الرقم: 6/367 | خلاصة حكم المحدث : محفوظ عن سماك ))
من الأحاديث التي تؤكد تعدد فضائل سورة الكافرون ما ورد عن جبير بن مظعم: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتُحِبُّ يا جُبَيرُ إذا خرَجْتَ في سفرٍ أن تكونَ مِن أمثَلِ أصحابِك هيئةً وأكثرِهم زادًا فقلتُ نَعَمْ بأبي أنت وأمِّي قال فاقرَأْ هذه السُّورَ الخَمْسَ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } و { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ } و { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } وافتَتِحْ كلَّ سورةٍ ببسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ واختِمْ قِراءتَك ببسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم قال جُبَيرٌ وكنتُ غنيًّا كثيرَ المالِ فكنتُ أخرُجُ في سفرٍ فأكونُ أبَذَّهم هيئةً وأقَلَّهم زادًا فما زِلْتُ منذُ علَّمَنيهنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقرَأْتُ بهنَّ أكونُ مِن أحسَنِهم هيئةً وأكثرِهم زادًا حتَّى أرجِعَ مِن سَفَري. (( الراوي : جبير بن مطعم | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد، الصفحة أو الرقم: 10/136 | خلاصة حكم المحدث : فيه من لم أعرفهم ))
يدل على فضل سورة الكافرون أنها كانت سببًا في نزول آية تحريم الصلاة لمن فقد عقله نتيجة تعاطي المُسكِر بدليل حديث علي بن أبي طالب: “صنعَ لنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ طعامًا فدَعانا وسَقانا منَ الخمرِ فأخذَتِ الخمرُ منَّا وحضَرتِ الصَّلاةُ فقدَّموني فقرأتُ “قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ” ونحنُ نعبدُ ما تعبدونَ -أيْ قرأ هذا الجزء من السورة خطأً- فأنزلَ اللَّهُ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ”. (( الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي، الصفحة أو الرقم: 3026 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح ))
مضامين سورة الكافرون
تُعدّ سورة الكافرون من أوائل السور المكيّة التي نزلتْ على الرسول الكريم في مكّة قبل الهجرة، لذا اعتنت بما تعتني به السُّور المكية من التركيز على أمر الوحدانية وإثبات العبودية لله وحده، ونبذ عبادة ما سواه من الأصنام وبراءة الرسول ومن معه من المؤمنين من الشِّرك والضلال وعبادة الأوثان وثباتهم على دينهم في حين ثبُت عددٌ من المشركين على دينهم في إشارةٍ إلى أنّ مَهمة الرسول تتمثل في الدعوة إلى الله دون إجبار أحدٍ على اعتناق الإسلام، وبالتالي أمرُ الجزاء والحساب مَنوطٌ بالله -سبحانه وتعالى-.
تأملات في سورة الكافرون
في مستهلّ الحديث عن تأملات في سورة الكافرون يجب ذكر نصّ السورة الكريمة فقد قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، وهي من السور التي تبدأ بفعل الأمر “قل” وهو للدلالة على تنبيه القارئ لأهمية ما بعدها، وقد أمر الله تعالى نبيّه الكريم بأن يخاطب الكافرين ويقول لهم ما نزل عليه من الوحي.
ثمّ قال تعالى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}، وقد جاء في هذه الآية أن الرسول الكريم قد نفى عن نفسه أنّ يعبد ما يعبده الكافرون في الحاضر ولن يعبده في المستقبل، ثمّ تابع بقوله: {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} ونفى عنهم عبادتهم لما يعبده الرسول الكريم وقد جاء نفيه لهم بالجملة الإسمية وفي ذلك دلالةٌ على أنّه ينفي عبادتهم لله تعالى في الحالة الثابتة الحالية.
وتابع قائلًا: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}، وقد كرر أمر نفي عبادته لآلهتهم وأصنامهم ولكن هذه المرة بصيغة اسم الفاعل الذي يؤكّد على أنّه وفي حالته الثابتة لم يعبد آلهتهم يومًا وبهذا ينفي عن نفسه عبادته لما كانوا يعبدون في الماضي، وعاد وكرر أنهم ليسوا عابدين لما يعبده الرسول الكريم في حالتهم الثابتة الحالية من باب التأكيد والثبات على موقفه.
ويُلاحظ عند دراسة تأملات في سورة الكافرون أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفى عن نفسه عبادته لما يعبد الكافرون في الماضي والحاضر والمستقبل، وفي حالة الثبوت والنفي، وذلك لدلالة قوة إيمانه وثباته على موقفه وبأنّه لم ولن يكفر بدين الله في أيّ زمان ولا لأيّ سبب.
وقد نفى عن الكافرين عبادتهم لدين الله فقط في حالة الثابت الحاضر وبهذا ترك لهم المجال والباب مفتوحًا أمامهم بأنّهم لو أرادوا تغيير حالهم واتباع دين الرسول الكريم فإنّه مسموحٌ لهم ذلك وبأنّه قد يحصل هذا وقد يهديهم الله للدين الحق، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: