سورة البينة هي السورة الثامنة والتسعون من سور القرآن الكريم وهي تقع في الجزء الأخير في ترتيب المصحف الشريف البالغ عدد أجزاءه ثلاثين جزءًا، وهي من قصار السور إذ يبلغ عدد آياتها ثماني آياتٍ فقط، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة البينة ومقاصدها واللمسات البيانية التي تشتمل عليها هذه السورة المباركة.
فضل سورة البينة
لم يردْ حديثٌ صحيح في فضل سورة البينة على وجه الخصوص أو أنّ لقراءتها أثرًا على حياة الفرد في الدنيا والآخرة، ولكن مما يُمكن الاستئناس به في فضل سورة البينة إتيان الرسول على ذِكرها في أحاديثه المُثبت صحتها في كتب الحديث، ومنها ما رواه أنس بن مالك من قراءة الرسول لها على الصحابي اُبي بن كعبٍ -رضي الله عنه- بأمرٍ إلهيٍّ: “قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لأُبَيٍّ: إنَّ اللهَ أمَرَني أن أقرَأَ عليك: “لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا”، قال: وسمَّاني؟ قال: نعمْ؛ فبَكى”. (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 13884 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط الشيخين ))
ومن فضل سورة البينة أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بين لأُبي بن كعبٍ عندما قرأ عليه السورة أنّ الدِّين عند الله الإسلام: “إنَّ اللَّهَ أمرَني أن أقرأَ عليكَ فقرأَ عليهِ:”لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ” فقرأَ فيها: إنَّ ذاتَ الدِّينِ عندَ اللَّهِ الحَنيفيَّةُ المُسْلِمَةُ لا اليَهوديَّةُ ولا النَّصرانيَّةُ”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 21203 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن ))
وردَت بعض الأحاديث الضعيفة التي تخصُّ هذه السورة بالفضل دون غيرها، مثل ما رُوي عن أبي الدرداء قال: “لو يعلم الناسُ ما في “لم يكنِْ الذين كفروا من أهلِ الكتاب”، لعطَّلوا الأهلَ والمالَ، فتعلَّموها، فقال رجلٌ من خزاعةَ: وما فيها من الأجرِ يا رسولَ اللهِ؟ قال: لا يقرؤها منافقٌ أبدًا، ولا عبدٌ في قلبِه شكٌّ في اللهِ، واللهِ إنَّ الملائكةَ المقربينَ يقرؤونها منذُ خلق اللهُ السمواتِ والأرضَ وما يفترون من قراءتِها، وما من عبدٍ يقرؤها إلا بعثَ اللهُ إليه ملائكةً يحفظونه في دينِه ودنياه، ويدعون له بالمغفرةِ والرحمةِ”. (( الراوي : أبو الدرداء | المحدث : القرطبي المفسر | المصدر : تفسير القرطبي، الصفحة أو الرقم: 22/403 | خلاصة حكم المحدث : لا يصح ))
مقاصد سورة البينة
مقاصد سورة البينة فهي واسعة كأفق مفتوح، وتتضح مقاصد سورة البينة من خلال الاطلاع على أبرز ما جاء في آيات هذه السورة، يقول الله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}.
يؤكد الله -سبحانه وتعالى- في هذه الآيات المباركات أنَّ المشركين والكافرين لن يتوقفوا عن تكذيبهم وعنادهم حتَّى يأتيهم الدليل وتأتيهم البينة، والبينة هي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي سيتلو على هؤلاء المشركين من أهل الكتاب وغيرهم قرآن الله تعالى وصحفَهُ المطهرة، الحكيمة العظيمة.
أمَّا قوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}، فيقول ابن جرير في تفسير هذه الآية: “أي: وما تفرَّق اليهود والنَّصارى في أمرِ محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- فكذَّبوا بهِ {إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} يعني: بيانُ أمرِ محمَّد أنَّهُ رسولٌ بإرسالِ الله إيَّاه إلى خلقِهِ، يقول: فلمَّا بعثَهُ الله تفرَّقوا فيه، فكذَّبَ به بعضُهم، وآمنَ بعضُهم، وقد كانوا قبل أنْ يُبعَثَ غير مفترقين فيه أنَّه نبيُّ”.
وفي مقاصد سورة البينة فيما تبقَّى من آياتها، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}.
إنَّ مقاصد سورة البينة في هذه الآيات، هو أنََّ الله تعالى يبيِّن للناس أوامره دينه، فقد أمر الناس بعبادته مخلصين له الدين وأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهذا هو الدين القويم السليم.
ثمَّ يؤكد الله تبارك وتعالى على أنَّ المشركين واليهود والنصارى مصيرهم الخلود في نار جهنم، فهم شرُّ الناس، وإنَّما خير البرية المؤمنون الذي يعملون الصالحات، ومصير هؤلاء المؤمنين جنات عدن بنعيمها، رضي الله عنهم ورضوا بقضاء الله فهم من عرفوا الله حقَّ معرفته.
تأملات في سورة البينة
سيتم الحديث فيما جاء من تأملات في سورة البينة بما جاء من لمساتٍ بيانية في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}، فمن الملاحظ أنّ الله تعالى ذكر عذاب وعاقبة الذين كفروا بقوله: “نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا”، أمّا في جزاء الذين آمنوا قال تعالى: “خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا”، ممّا يطرح تساؤلًا عن الفرق بين الموضعين ولما ذكر “أبدًا” في موضع ولم يذكرها في موضعٍ آخر.
وقد أجاب الدكتور فاضل السامرائي عند توضيح بعض ما جاء من تأملات في سورة البينة بأنّ القاعدة الأساسية في استعمال كلمة “أبدًا” هي أنه إذا كان المقام مقام تفصيل وبسط للموضوع يذكر “أبدًا”، أو يذكرها أيضًا إذا كان المقام مقام تهديدٍ كثير أو وعيدٍ كثير أو وعدٍ كثير كما جاء في الوعد الكثير للمؤمنين في سورة البينة وتفصيل جزائهم، وكذلك في سورة الجن جاءت الآيات فيها تهديدٌ ووعيد شديد للكافرين فذُكرت “أبدًا”، فقد قال تعالى: {إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}،أمّا إذا لم يكن كذلك أي كان مقام إيجاز واختصار فلا يذكر “أبدًا” مثل قوله تعالى في سورة البيّنة فهو لم يصف عذاب الذين كفروا بل ذكره بإيجاز، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: