فضل سورة التين
سورة التين سورة مكية أنزلها الله -سبحانه وتعالى- إلى رسوله -عليه الصَّلاة والسَّلام- في مكة المكرمة، وهي سورة من سور المفصل، ومن قصار سور الكتاب، يبلغ عدد آياتها ثماني آيات فقط، وهي السورة الخامسة والتسعون في ترتيب سور المصحف الشريف، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة التين والعلاقة بينها وبين سورة الشرح.
فضل سورة التين
القرآن الكريم محاط بالفضل والخير الثواب، فتلاوته تعبُّد وأجر، وتفسيره علم وأجر، واتباع أوامره صلاح وهداية ونجاة وفلاح، وقد جاءت السنة النبوية المباركة ببعض الأحاديث النبوية التي تخصُّ بعض سورة الكتاب بالفضل دون غيرها مثل:
ما روي عن عن ابنِ عبَّاسٍ قال : من قرأ القرآنَ لم يُردَّ إلى أرذلِ العُمرِ لكيلا يعلم من بعدِ علمٍ شيئًا ، وذلك قولُه عزَّ وجلَّ : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا } قال : الَّذين قرؤُوا القرآنَ. (( الراوي : [عكرمة مولى ابن عباس] | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/303 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] ))
قال البَراءَ بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عنْه: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْرَأُ: والتِّينِ والزَّيْتُونِ في العِشاءِ، وما سَمِعْتُ أحَدًا أحْسَنَ صَوْتًا منه أوْ قِراءَةً” (( الراوي : البراء بن عازب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 769 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
ومما يدل على استحباب قرائتها في الصلاة أيضًا حديث البراء بن عازب “خرجنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، في سفرٍ فصَّلى بنا العشاءَ الآخرةَ ، فقرأ في إحدى الركعتينِ ب {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}”. (( الراوي : البراء بن عازب | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 1838 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ))
رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “لَمَّا نزَلَتْ سورةُ التِّينِ على رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَرِحَ لها فَرَحًا شَديدًا؛ حتَّى بانَ لنا شِدَّةُ فَرَحِه، فسأَلْنا ابنَ عبَّاسٍ بعدَ ذلك عن تفسيرِها، فقال: أمَّا قولُ اللهِ تعالى {وَالتِّينِ} فبلادُ الشَّامِ، {وَالزَّيْتُونِ} فبلادُ فِلَسْطين، {وَطُورِ سِينِينَ} فطورُ سَيْنَا الَّذي كلَّمَ اللهُ عليه موسى، {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} فبَلْدةُ مكَّةَ، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} عُبَّادُ الأَصْنامِ اللَّاتِ والعُزَّى، {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أبو بَكرٍ وعُمَرُ، {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} عُثمانُ بنُ عَفَّانَ، {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} عليُّ بنُ أبي طالبِ عليهمُ السَّلامُ، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} ؛ إذ بعَثَكَ فيهم نَبِيًّا وجمَعَكَ على تَقْوَى يا محمَّدُ”. (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الشوكاني | المصدر : فتح القدير، الصفحة أو الرقم: 5/671 | خلاصة حكم المحدث : في إسناده مجهول ))
تأملات في سورة التين
- قسم الله -تعالى-بـ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، وهو بيت المقدس، مكان رسالة عيسى –عليه السّلام- {وَطُورِ سِينِينَ}، وهو جبل الطّور الذي وقف عليه موسى –عليه السّلام- وناجى ربّه من فوقه، {وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ}، هذا البلد آمنٌ بنفسه، ويؤمّن من دخله، وهو مكّة المكرّمة، مكان نزول الوحي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- وهذه الأماكن الثّلاثة لها حرمتها، وقداستها، لأنّها مهبط الكتب السّماوية الثّلاثة “الإنجيل والتّوراة والقرآن الكريم”، فكان التّرتيب الإلهيّ من الفاضل إلى الأفضل.
- تكريم الله –تعالى- للإنسان بأن خلقه في أحسن هيئة وأحسن صورة، بأنْ جعله منتصبًا قائمًا، ليس كغيره من المخلوقات، بقوله –تعالى-: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.
- عقوبة الله تعالى لمن فضّل الكفر على الإيمان، بإنزاله إلى الدّرك الأسفل من النّار، وجاء ذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}، هذا الحكم لمن أعرض عن الإيمان وكفر، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}.
- استثناء الله –تعالى- لعباده الصّالحين من الرّدّ إلى أسفل سافلين، فقد بشّرهم الله –تعالى- بقوله: {إلّا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات، فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}، الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصّالحة، لهم أجر عظيم غير منقطع، ولا منقوص في الجنّة ثوابًا لهم على طاعاتهم.
- تأنيب الله –تعالى- للذي مازال تائهًا في غيابات الطّغيان والظّلام، بقوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}. كلّ ما سبق من الأدلّة العقليّة والنّقليّة أما وعيتها أيّها الإنسان الغافل عن الله -تعالى-؟!
- ثمّ يختم الله -تعالى- السورة بتساؤل لبني البشر، ليثبت من خلاله بأنّه أحكم الحكماء وأحكم القضاة، وقاضي الحكماء، وقاضي القضاة، ويقيم الحجّة على من ينكر فضله من الكافرين، وهكذا ممّا تقدّم، قد تمّ الوقوف على تأملات في سورة التّين.
- من الأحاديث التي تتعلق بقراءة سورة التين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “سمعتُ رجلاً بدويًّا أعرابيًّا يقولُ: سمعتُ أبا هريرةَ يرويهِ يقولُ: مَن قرأَ سورةَ والتِّينِ والزَّيتونِ فقرأَ “أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ” فليقُلْ: بلَى! وأنا على ذلِكَ منَ الشَّاهدينَ”. (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : أبو داود | المصدر : سنن أبي داود، الصفحة أو الرقم: 887 | خلاصة حكم المحدث : سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح] ))
العلاقة بين سورة التين وسورة الشرح
لا شكَّ في أنَّ سور القرآن الكريم رُتبتْ على شكلها الحالي بحكمة كبيرة، فسورة الشرح على سبيل المثال جاءت قبل سورة التين، وفي وضع سورة التين بعد سورة الشرح حكمة بالغة.
أظهر تلك الحكمة الشيخ أبو العباس المرسي في قوله: “قرأت مرة: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، إلى أن انتهيت إلى قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين}، ففكَّرتُ في معنى هذه الآية، فألهمني الله أنَّ معناها: لقد خلقنا الإنسان في أحسنِ تقويم روحًا وعقلًا، ثمَّ رددناه أسفل سافلين نفسًا وهوىً.
قلتُ: فظهر من هذه المناسبة وضعها بعد ألم نشرحْ فإنَّ تلك أخبر فيها عن شرحِ صدرِ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وذلكَ يستدعي كمال عقلِهِ وروحِهِ، فكلاهما في القلبِ الذي محلُّهُ الصَّدر، وعن تبرئته من الوزر الذي ينشأ عن النَّفس والهوى، وهو معصوم منهما، وعن رفع الذِّكر; حيث نزَّه مقامَهُ عن كلِّ وَصَم، فلمَّا كانتْ هذه السُّورة في هذا العلم الفرد من الإنسان، أعقبها بسورة مشتملةٍ على بقيَّةِ الأناسي، وذكر ما خامرهم من متابعة النفس والهوى”، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: