سورة الشرح من السور المكية، أي من السور التي نزلت على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، وهي من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها ثماني آيات، وتقع سورة الشرح في الجزء الثلاثين والحزب الستين، فهي السورة الرابعة والتسعون من ترتيب سور المصحف الشريف، نزلتْ سورة الشرح بعد سورة الضحى، ونظرًا لكثرة ما يتردد حول فضل سورة الشرح؛ يُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة الشرح بحسب ما ورد في السنة النبوية الصحيحة.
فضل سورة الشرح
لا بدَّ من الإشارة إلى فضل سورة الشرح في الإسلام، وهنا تجب الإشارة بدقة إلى أنَّه لم يرد في سورة الشرح ما يؤكد فضلها دون غيرها من سور القرآن الكريم، وإنَّما كلام بعض الناس عن أهمية هذه السورة في تفريج الهم وانشراح الصدر لم يرد أي دليل على صحة هذا الكلام.
من المعروف إنَّه قراءة القرآن الكريم تريح أعصاب الإنسان وتثلج صدره، ولكن لا يجوز أن يحدد الإنسان بعض السور والآيات ويصدر الأحكام فيها دون وجود دليل شرعي وحيد، فسورة الشرح على سبيل المثال وردَت في سنة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في حديث روي مرسلًا وهو ما رواه زر بن حبيش إنَّ رسول الله قال: “مَن قرأ {أَلَمْ نَشْرَحْ} فكأنَّما جاءني وأنا مغْتَمٌّ ففرَّج عنِّي”. (( الراوي : زر بن حبيش | المحدث : الزيلعي | المصدر : تخريج الكشاف، الصفحة أو الرقم: 4/237 | خلاصة حكم المحدث : روي مرسلا ))
والخلاصة إنَّ قراءة القرآن الكريم كلُّه خير وكلُّ آياته فيها من الأجر والثواب وراحة القلب وتفريج الهم وإثلاج الصدر ما فيها، ولا يجوز أن يخصص الإنسان آيات دون غيرها بغير دليل شرعي صريح، وقد روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- قال: “من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، و الحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقول الم حرفٌ ولكن: ألِفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : عبد الحق الإشبيلي | المصدر : الأحكام الصغرى، الصفحة أو الرقم: 901 | خلاصة حكم المحدث : [أشار في المقدمة أنه صحيح الإسناد] ))
لذلك يمكن القول أنّ كل ما ورد في فضلها إما من ابتداع الناس أو نتيجة تناقل أحاديث ضعيفة أو موضوعة كالحديث: “من قرأ في الفجرِ بألم نشرح وألم تر كيف لم يرمدْ”. (( المحدث : الزرقاني | المصدر : مختصر المقاصد، الصفحة أو الرقم: 1063 | خلاصة حكم المحدث : لا أصل له .وما يحكى عن الغزالي أن : من قرأهما في ركعتي الفجر قصرت يد كل ظالم وعدو عنه ، ولم يجعل الله لهم إليه سبيلا : لم أره في الإحياء. ))
تأملات في سورة الشرح
لا بدّ للوقوف على بعض من اللمسات البيانيّة والتأمّلات، حول استعمال بعض الجمل والأحرف، وفيما سيأتي تأمّلات في سورة الشّرح:
- من التأملات في سورة الشرح ورود لفظ “نشرح” و”لك” في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، لإظهار مزيد من العناية للرّسول الكريم، وجاء الافتتاح بالاستفهام التّقريري “ألمْ”، دلالة على التنبيه بالنعم؛ أيْ أن يستحضر الرّسول عليه الصّلاة والسّلام نعم الله عليه.
- ورد في الآية الثانية في قوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ}، التعبير بالوزر، دلالة على خوف الرّسول -عليه السّلام- من التّقصير في الرّسالة.
- ثمّ جاء التّعبير بعظم ما يحمله النّبي الكريم من الثّقل والهمّ والحرْص الشّديد، وذلك واضح في قوله تعالى: {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}.
- وردت عبارة الرفعة بالذّكر في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}، دلالة على أنّ الله -سبحانه وتعالى- رفع مقام نبيّه في الذّكر، مثل: الشّهادتيْن في الأذان.
- جاء التّكرار في الآيتيْن، في قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}، وقوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}، دلالة على تأكيد وترسيخ المعنى في النفوس، وخاصة عند الشّدائد، على أنّ الفرج سيأتي لينسّي آلام الماضي، وأن العسر لا يدوم.
- جاءت صيغة التّأكيد بوجود حرف الفاء في قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ}، لتدل على الأمر والوجوب، أيْ مواصلة الدعوة والتّجديد في أسلوبها دون ملل، حيث يقول ابن رجب -رحمه الله-: “الأعمال كلها يُفرغ منها، والذّكر لا فراغ له ولا انقضاء، وتنقطع الأعمال بانقطاع الدّنيا ويبقى الذكر”.
- جاء في قوله تعالى: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}، الرغبة، أيْ العودة إلى الله -سبحانه وتعالى-، بأداء النّوافل والاستشعار بلذّتها؛ لأنّها تكون بعد اجتماع الشّدائد والجهد، وتمّ تقديم الظّرف “إلى ربّك” للاختصاص؛ أيْ الرّغبة تكون لله وحده، يقول الضّحّاك في تفسير هذه الآية الكريمة: “فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء”.
مقاصد سورة الشرح
وبعد أن تمّ الحديث عن تأملات في سورة الشّرح جدير بالذّكر أنّ السورة الكريمة تتضمّن نافذة من نوافذ مغفرة الذّنوب، وباب من أبواب توجيه السلوك، ووسيلة للصّبر واللّجوء إلى الله وحده، وأصل من أصول السّعادة، ومقاصدها العظيمة عديدة لا تنحصر، وفيما سيأتي بيان ذلك:
- السعادة تكون بيد الله وحده دون غيره، فهو من يشرح الصّدور، إمّا أن يضعها في قلب من يشاء فيسعد ويضحك، وإمّا أن ينزعها من قلب من يشاء فيشقى ويبكي، قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ}.
- طمأنينة القلوب تكون بالصدر لا العقل، لقوله تعالى: {لَكَ صَدْرَكَ}، وتكون فقط من عند الله فهو مقلب القلوب ومصرفها، وصلاح القلوب لا يكون إلا بالطّاعة.
- سورة الشرح وسيلة لمغفرة الذّنوب، لقوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وزرَك}، كلما كان الإنسان قليل الذنوب زادت السعادة في قلبه، وهذه الذّنوب تُغفر بالتوبة والاستغفار والعودة إلى الله.
اقرأ أيضًا:
المصادر: