فضل سورة الضحى
سورة الضحى سورةٌ مكيةٌ، مُحكمةٌ كلّها، يبلغ عدد آياتها إحدى عشرة آية، كان نزولها بعد سورة الفجر، وسمّيت بالضحى؛ لافتتاح الله -تعالى- السورة بلفظ الضحى، إذ قال: (وَالضُّحَى)، وقيل إنّ المقصود بالضحى النهار، وقيل بل الساعة التي سجد فيها السَّحرة بعد إيمانهم برسالة موسى -عليه السلام-، وقيل إنّ الضحى نور الجنة، أو نور قلوب المؤمنين، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة الضحى ومقاصدها وسبب نزولها.
فضل سورة الضحى
إنَّ فضائل سور القرآن الكريم عظيمةٌ وكثيرةٌ؛ فقد جعل الله -تعالى- لمن يقرأ القرآن الكريم فضلًا عظيمًا، حيث جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: “من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقول الم حرفٌ ولكن: ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/296 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] ))
وهذا الفضل لا شكَّ يدخل في فضائل سورة الضحى فهي جزءٌ لا يتجزأ من القرآن الكريم، أمَّا فضائل سورة الضحى دون غيرها من سور القرآن الكريم فلم يرد في فضلها أيّ حديثٍ صحيحٍ ثابت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنَّما على المسلم أن يكتفي بما جاء من أحاديث عن فضل تلاوة القرآن الكريم بشكلٍ عامٍ.
ومن الجدير بالذكر أنَّ تخصيص هذه السورة الكريمة بالفضل دون دليلٍ مثل قرائتها من أجل للحصول على المفقود يُعدُّ بدعة من البدع، حيث قال الشيخ بكر أبو زيد في هذه المسألة: “ومن البدع: التخصيص بلا دليل، بقراءة آية، أو سورة في زمان أو مكان أو لحاجة من الحاجات، وهكذا قصد التخصيص بلا دليل”، وبناءً على ذلك فإنَّ تخصيص قراءة سورة الضحى بهدف العثور على شيءٍ تم فقدانه؛ فذلك ما لم يرد فيه أيّ دليلٍ وهو بدعة من البدع، والله تعالى أعلم.
مقاصد سورة الضحى
نزلت سورة الضحى مواساةً لخير الخلق محمدٍ، عندما شقّ عليه فتور الوحي عدة ليالٍ، فأراد الله أن ينزع من قلبه اليأس، ويبعث فيه التفاؤل والأمل، ومن صور التفاؤل في السورة:
- التأكيد على أنّ الضيق لا يبقى، ولا بدّ أن يتبعه الفرج، وأنّ الله يرحم عباده مهما طالت مدة العناء والضيق، والعلم أنّ ما من عبدٍ يُبتلى إلّا وفرّج الله عنه، والقدوة في ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي ابتُلي بعدّة ابتلاءاتٍ؛ كالفقر، واليُتم، وعلى العبد أن يتذكّر نعم الله عليه وقت ابتلائه، ولا يُنكر فضل الله عليه، ورحمته به.
- نزول السورة في بداية الدعوة الإسلامية، حين عانى المسلمون أشدّ أنواع العذاب النفسي والجسدي، فكانت السورة بمثابة الدعم للمسلمين؛ ليثبتوا على دينهم.
- تعميق قيم التكافل الاجتماعي بين المسلمين؛ وذلك من خلال العطف على اليتيم، من جميع نواحي الحياة الاجتماعية، والعلمية، والاقتصادية.
- التأكيد على الأخلاق الحميدة، التي يجب الحرص عليها في التعامل مع المساكين والفقراء؛ اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
- شُكر الله -تعالى- الدائم على نِعَمه، صغيرةً كانت أم كبيرةً، قال الله -تعالى-: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ).
- التأكيد على أهمية التعامل الحسن مع الآخرين، بالتشجيع، والتحفيز، وتعزيز الثقة بالنفس لديهم.
علاقة سورة الضحى بما قبلها وما بعدها
تتعلّق سورة الضحى بسورة الليل السابقة لها ببيان أنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- سيد الأتقياء والأصفياء، كما أنّ سورة الليل نزلت بشأن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وسورة الضحى بشأن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وبذلك يتّصل رضى النبي -عليه السلام- برضى خليفته، وقدم ذكر أبي بكر؛ لبيان أهمية إخلاص النيات والأعمال لله -سبحانه-، وفيما يأتي بيان الترابط بين آيات السورتين:
- قال الله -تعالى- في سورة الليل: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى)، ثمّ بيّنت سورة الضحى أنّ محمداً -عليه الصلاة والسلام- أفضل المتقين بذكر ما أنعم الله -تعالى- عليه.
- يُقصد بقوله -تعالى-: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى)، النبي محمدٍ -عليه السلام-؛ بدليل قوله -تعالى- مخاطباً إيّاه: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).
- قوله -تعالى-: (وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى)، تمّ بيانه بأنّ الحياة الآخرة أفضل من الدنيا، بقوله -تعالى-: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى).
- قال -تعالى- في سورة الليل: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)، وقد ذكرت بعض صور التقوى والعطاء، بقوله -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ*وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَر*وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).
العلاقة بين سورة الضحى وسورة الشرح التي نزلت بعد الضحى، تتمثّل أنّ فيهما ثناءً من الله -جلَّ وعلا- على نبيه -عليه السلام-، ومواساةً له، وتثبيتاً لقلبه، ممّا يدل على صحة الرسالة التي بُعث بها محمدٌ -عليه الصلاة والسلام-، وصدق نبوته، وفي ذلك بيانٌ وتذكيرٌ بعناية الله -تعالى- لرسوله، وأنّه لن يقطع عليه الخير والفضل، بل يمنّ عليه بتيسير الأمور، ورفع الهمّ والحرج عنه.
سبب نزول سورة الضحى
قبل الحديث عن فضائل سورة الضحى، إنَّ لسورة الضحى سببًا صريحًا في النزول ورد في صحيح الإمام البخاري، ففي سبب نزولها روى جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- حيث قال: “اشْتَكَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أوْ لَيْلَتَيْنِ فأتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقالَتْ: يا مُحَمَّدُ ما أُرَى شيطَانَكَ إلَّا قدْ تَرَكَكَ، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَالضُّحَى واللَّيْلِ إذَا سَجَى ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلَى}”. (( الراوي : جندب بن عبدالله | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 4983 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وفي روايةٍ أخرى عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه قال: “احْتَبَسَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالتِ امْرَأَةٌ مِن قُرَيْشٍ: أَبْطَأَ عليه شيطَانُهُ، فَنَزَلَتْ: {وَالضُّحَى واللَّيْلِ إذَا سَجَى، ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وما قَلَى}”. (( الراوي : جندب بن عبدالله | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1125 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
اقرأ أيضًا:
المصادر: