فضل سورة الليل
سورة اللّيل من السّور المكيّة التي نزلت على النّبيّ محمّد –صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة المكرّمة، وتعدّ سورة اللّيل من أواسط المفصّل، وموقعها في القرآن الكريم في الجزء الثّلاثين السّورة الثّانية والتّسعون، نزلت بعد سورة الأعلى، وآياتها إحدى وعشرين آية، لم يذكر فيها اسم الجلالة، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة الليل ومقاصدها.
فضل سورة الليل
توجد بغض الأحاديث التي تدل على استحباب قراءة سورة الليل في الصلوات، حيث وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- إلى قراءتها في الصلاة حين يؤم الناس تخفيفًا عليهم خاصةً في الظهر والعصر والعشاء؛ “صلَّى معاذُ بنُ جبلٍ الأنصاريُّ بأصحابِهِ صلاةَ العشاءِ فطوَّلَ عليْهم فانصرفَ رجلٌ منَّا فصلَّى فأخبرَ معاذُ عنْهُ فقالَ إنَّهُ منافقٌ فلمَّا بلغَ ذلِكَ الرَّجلَ دخلَ على رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- فأخبرَهُ ما قالَ لَهُ معاذٌ فقالَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ-: أتريدُ أن تَكونَ فتَّانًا يا معاذٌ إذا صلَّيتَ بالنَّاسِ فاقرأ بالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ”. (( الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 465 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
تجدر الإشارة إلى أن سور القرآن الكريم كلَّها تعود بالخير والفضل على الناس أجمعين، فهي بداية طريق للأجر والثواب، فقراءتها وتدبرها باب للأجر وكسب الحسنات، كما إنَّ القرآن الكريم شفيع لأهله يوم القيامة، فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم-: “اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ”. (( الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 804 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
لم يرد في فضل سورة الليل أي حديث نبوي يذكر فضل هذه السورة دون غيرها من سور القرآن الكريم، ولكنَّ الفاهم لمقاصد سورة الليل يدرك إنَّ فضل هذه السورة يكمن في أنَّها بيَّنت للمسلمين الفرق بين الاختيار والتكليف في الإسلام، كما أنَّ هذه السورة فرَّقت بين مصير المسلمين الصالحين ومصير من كذَّب وأشرك يوم القيامة.
وأكَّدت السورة على أنَّ الإنسان مخيَّر لا مسيَّر وأنَّه يختار طريقه الذي يسلكه في حياته بيده، فعلى الرغم من أن أقدار الناس مكتوبة ومصيرهم محدد ومعلوم عند الله تعالى، إلَّا أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له، أمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقَاءِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ”. (( الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 4949 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
مقاصد سورة الليل
ميّز الله تعالى بين سعيين للعبد، سعيٌ للعطاء وتقوى الله تعالى، وسعيٌ للبخل والاستغناء بنفسه عن الله تعالى، فمن سعى للعطاء والتّقوى فقد آمن قلبه وصدقت جوارحه، ومن سعى للبخل والاستغناء فقد كفر قلبه وكذبت جوارحه، وإنّ عطف التّقوى على العطاء، وعطف البخل على الاستغناء والذي يعني الكفر، يعطي دلالة قاطعة على أن هذا الدّين هو دين اجتماعيّ، ويصبّ في المصلحة الاجتماعيّة من الدّرجة الأولى، فهو ليس مجرّد شعارات ولا شعائر فارغة من الخير المادّيّ الموصول للنّاس بالبذل والتّضحية والعطاء.
لا تتحقّق التّقوى إلّا بتحقيق هذا العطاء، وذلك البذل والعمل والسّعي لتحقيق مصالح النّاس وقضاء حوائجهم، ولذلك يُكذّب القرآنُ الكريم كلّ من يتظاهر بالتّقوى والنّسك، دون أن يبذل ما بوسعه من الخير لقضاء حوائج النّاس والوقوف عند مصالحهم، وبذلك يتمّ تصحيح المفهوم عن هذا الدّين الحنيف، فعباداته وشعائره غير منفصلة عن معاملاته وأخلاقه، ولا يمكن أن تجتزأ أخلاقه ومعاملاته من شرائعه وعباداته.
تأملات في سورة الليل
يدور محور سورة اللّيل حول سعي الإنسان وكفاحه وعمله في هذه الحياة، ومن ثمّ ينتهي إمّا إلى النّعيم أو إلى الجحيم، وقد وقف الدكتور فاضل السّامرّائي عند لمسات بيانيّة وتأملات في سورة الليل من الرّوعة بمكان، ومنها:
في قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}: هناك علاقة بين قسم الله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} وبين الجواب، في قوله تعالى: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} حيث أن لله سبحانه افتتح السّورة الكريمة بالقسم بالأشياء المتباينة والمتضادّة، “باللّيل والنّهار، يغشى ويتجلّى، الذّكر والأنثى”، فكان جواب القسم: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، أي: متباين، متضادّ، وذلك إشارة إلى سعي العباد، بأنّه متباين بين الخير والشّرّ، فمنهم من يسعى إلى النّعيم، ومنهم من يسعى إلى الجحيم.
كما أنّ الأشياء متضادّة ومتباينة، فكذلك أعمال العباد متضادّة ومتباينة، ولذلك فقد أقسم الباري سبحانه بهذه الأشياء على اختلاف السّعي، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}، وعلى اختلاف الأوقات “الليل والنهار”، و بحسب اختلاف السّاعين “الذّكر والأنثى”، وبحسب اختلاف الحالة “يغشى وتجلى” واختلاف مصير السّاعين {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}.
في قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى}: جاء التّرتيب الإلهي لهذه الآيات الثلاث على هذا السّياق بأنّ الله تعالى بدأ باللّيل قبل النّهار، وذلك لأنّ اللّيل وُجد قبل النّهار لتأخّر خلق الأجرام، وقبل ذلك كانت الدّنيا شديدة الظلام، وأيضًا اللّيل والنّهار معاً وُجدا قبل خلق الذّكر والأنثى، وخلقُ الذّكر كان قبل خلق الأنثى، لقوله تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، فجاء التّرتيب الإلهيّ للآيات السّابقة بنفس ترتيب الخلق: اللّيل أولاً ثمّ النّهار ثمّ الذّكر ثمّ الأنثى وهكذا.
اقرأ أيضًا:
المصادر: