فضل سورة الفجر
سورة الفجر من سور القرآن الكريم المكيّة التي نزلت على النّبيّ محمّد –صّلى الله عليه وسلّم- في مكّة المكرّمة قبل الهجرة إلى المدينة بعد سورة اللّيل، وهي من سور المفصّل، وآياتها ثلاثون آية، ترتيبها في المصحف الشّريف التّاسعة والثّمانون وفي الجزء الثّلاثين، ويستعرض هذا المقال فضل سورة الفجر وتأملات حول هذه السورة الكريمة.
فضل سورة الفجر
لم يرد شيء يصحّ في فضل سورة الفجر في كُتب الحديث الصحيحة المتواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنّ كل ما يُتناقل بين الناس في فضل سورة الفجر سواءً قراءتها كاملةً أو أجزاء منها؛ فلا أصل له وهو إلى الابتداع أقرب من الاتباع مثل حديث “من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غُفر له، ومن قرأها في سائر الأيام كانت له نوراً يوم القيامة”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 317 | خلاصة حكم المحدث : موضوع [ ))
ومن المسائل سؤال يقول: امرأة تأخرت بالزواج فأعطوها طريقة لتسهيل الزواج، تكتب سورة الفجر بماء المطر ثم تضيف حنة له، ثم تتحنى به وسيتم تسهيل الزواج بعد ذلك، فما الحكم في ذلك؟ الصحيح أن هذا العمل المذكور ليس من هدي السلف، وإنما هو من الطرق التي يعملها المشعوذون، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: القاعدة أن كل إنسان اعتمد على سبب لم يجعله الشرع سببًا، فإنه مشرك شركًا أصغر، ويمكن قراءة أي سورة من القرآن والدعاء بها، قال رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم-: “من قرأ القرآنَ، فليسألِ اللهَ به”. (( الراوي : عمران بن الحصين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي، الصفحة أو الرقم: 2917 | خلاصة حكم المحدث : حسن ))
وقال الصادق عليه السّلام : «من قرأها عند طلوع الفجر أمن من كلّ شيء إلى طلوع الفجر في اليوم الثاني ، ومن كتبها وعلّقها على وسطه ثمّ جامع زوجته يرزقها اللّه تعالى ولدا تقرّ به عينه ويفرح به».
فضل صلاة الفجر
من لطيف القول الإشارة إلى فضل سورة الفجر في تسليط الضوء على أوقاتٍ فضيلةٍ في حياة المسلم ألا وهو وقت الفجر مع اختلافٍ بين العلماء في تحديد ماهية الفجر إلا أنّ أرجح الأقوال أنه وقت صلاة الفجر أو صلاة الفجر نفسها حيث تشهد الملائكة تلك الصلاة وما يتبعها من التسبيح وذِكرٌ لله تعالى
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَن صلى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ من ذِمَّتِهِ بشيءٍ، فإنَّ من يَطْلُبْه من ذِمَّتِهِ بشيءٍ، يُدْرِكْه، ثم يَكُبَّه على وجهِه في نارِ جهنمَ”. (( الراوي : جندب بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 6339 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
أي: أنه في ذمة الله ورعايته في الدنيا والآخرة، وكان سالم بن عبد الله بن عمر قاعدًا عند الحجاج، فقال له الحجاج: قم فاضرب عنق هذا، فأخذ سالم السيف، وأخذ الرجل، وتوجه باب القصر، فنظر إليه أبوه وهو يتوجه بالرجل، فقال: أتراه فاعلًا؟ فردَّه مرتين أو ثلاثًا، فلما خرج به، قال له سالم: صليت الغداة؟ قال: نعم، قال: فخذ أي الطريق شئت، ثم جاء فطرح السيف، فقال له الحجاج: أضربت عنقه؟ قال: لا، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: إني سمعت أبي هذا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَن صلَّى الغَداةَ فهو في ذمَّةِ اللهِ، فاتَّقِ اللهَ يا ابنَ آدَمَ أنْ يطلُبَكَ اللهُ بشيءٍ مِن ذِمَّتِه”. (( الراوي : سمرة بن جندب | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 20113 | خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره ))
وردت نصوص كثيرة فيها التحذير الشديد لمن تهاون في صلاة الفجر، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:”أثقلُ الصلاةِ على المنافقين صلاةُ العشاءِ، وصلاةُ الفجرِ، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوْهما ولو حَبْوًا”. (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 651 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
تأملات في سورة الفجر
تشتمل سورة الفجر على الكثير من اللمسات البيانيّة وفي الآيتين لآتيتين منها، قوله تعالى: {وَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}، وعلاقتهما بسورة البلد.
ففي سورة الفجر ذكر الله تعالى الإنسان الغنيّ والفقير، الذي أغناه الله تعالى، وظنّ بأنّه أحبّه الله فأكرمه، والذي قدر عليه رزقه فظنّ بأنّ الله تعالى كرهه فانتقم منه وأفقره، وفي سورة البلد ذكر الله تعالى الذي أهلك المال والفقير، وكذلك وصف الله تعالى الإنسان في سورة الفجر، بقوله: {كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}، وفي سورة البلد حضّ الله تعالى على الرّحمة بهذين الضّعيفين “اليتيم والفقير”، بقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ}.
وكذلك هناك أمر آخر، وهو التّرابط بين السّورتين، بدليل قوله تعالى في سورة الفجر: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً}، وقال في سورة البلد: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}، فعليك أن تُطعم كما تأكل، وتكسو كما تلبس.
وللمفارقة بين البلاء والابتلاء، فالبلاء هو ما ينزل على الشّخص قدرًا، وتعتبر كلمة ابتلى أشدّ من “بلا” وتحمل معنى الاختبار أكثر، ولا يكون البلاء بالضرورة سيّئًا، بل قد يكون خيّرًا لصاحبه، لقوله تعالى: {ونَبلوكُم بالشّرّ والخَيرِ فِتنةً}، وأمّا الابتلاء فهو اختبار كما في قوله تعالى في سورة الفجر: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ}، فهذه بعض اللّمسات البيانية والتأملات في سورة الفجر ممّا وقف عنده.
اقرأ أيضًا:
المصادر: