فضل سورة المطففين
سورة المطفّفين من سور القرآن الكريم المكيّة التي نزلت على النّبيّ محمّد –صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة المكرّمة قبل الهجرة إلى المدينة المنوّرة، وهناك من قال بأنّها مدنيّة، وهي من سور المفصّل، وآياتها ستٌّ وثلاثون آية، وتقع في الجزء الثلاثين من القرآن الكريم وترتيبها بين سور القرآن السّورة الثّالثة والثّمانون، ويتناول هذا المقال فضل سورة المطففين ومضامين السورة.
فضل سورة المطففين
إنَّ فضل سورة المطففين من فضل سائر القرآن الكريم، وفضل تلاوتها من سائر فضل تلاوة سور الكتاب، وقد جعلَ الله تعالى لمن يتلو كتابَهُ فضلًا عظيمًا، وقد ورد هذا في قولِهِ سبحانه وتعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ”، ولأن هذه السورة جزء لا يتجزأ من كتاب الله الحكيم فإنَّ فضلها عظيم وتلاوتها عبادة وأجر وثواب من الله تعالى.
لا شك أن من أبرز فضائل سورة المطففين أنها جاءتْ كقانونٍ إلهيٍّ سنَّهُ الله تعالى على لسان نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلم- فعمَّ به العدلُ بين النَّاس، وكما وردَ عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنَّه قالَ: “لمَّا قدِمَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- المدينَةَ كانُوا من أخبَثِ الناسِ كيلًا فأنزَلَ اللهُ -عزَّ وجلَّ-: “وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ”، فأحسَنُوا الكيلَ بعد ذلِك”. (( الراوي: عبد الله بن عباس | المحدث: ابن حبان | المصدر: صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 4919 | خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه ))
وردت بعض الأحاديث والآثار التي تؤكد على أهمية قراءة هذه السورة مثل:
“مَن قَرأ سُورَةَ الْمُطَفِّفِينَ سَقاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحيقِ المختومِ يَوْمَ القِيامَةِ”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : الزيلعي | المصدر : تخريج الكشاف، الصفحة أو الرقم: 4/173 | خلاصة حكم المحدث : رجال الإسناد ثقات ولكن فيه سلام بن سليم قال أبو حاتم متروك الحديث ))
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام “من قرأ في الفريضة ويل للمطففين أعطاه الله الأمن يوم القيامة من النار، ولم يرها، يمر على جسر جهنم، ولا يحاسب يوم القيامة”.
مضامين سورة المطففين
تصوّر سورة المطفّفين قسمًا من الواقع العمليّ الذي كانت تواجهه الدّعوة في مكّة المكرّمة، إلى جانب ما كانت تهدف إليه من إيقاظ القلوب، وهزّ المشاعر، وتوجيهها إلى التّغيّر الجديد في حياة العرب خصوصًا وفي حياة الإنسانيّة عمومًا، وهو الرّسالة السّماويّة الجديدة للأرض، وما تحتوي عليه من تصوّر جديد شامل، وقد تضمّنت السّورة الكريمة موضوعات أساسيّة وهي:
- إعلان الحرب على المطفّفين، قال تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ}.
- زجر وردع الفجّار المكذّبين بيوم الدّين وتهديدهم بالويل، قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ، ….وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}.
- الإخبار بجزاء الأبرار، وعلوّ مقامهم، والنّعيم المقرّر لهم، قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}.
- الإخبار بما كان يناله الأبرار من الفجّار في الدّنيا الزّائلة، وبالمقابل ما آل إليه الفجّار والأبرار في عالم الحقيقة الأبديّ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ….. فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}.
- إنَّ العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نُكِت في قلبِه نُكتةٌ فإنْ هو نزَع واستغفَر وتاب صُقِلت فإنْ عاد زِيدَ فيها وإنْ عاد زِيدَ فيها حتَّى تعلوَ فيه فهو الرَّانُ الَّذي ذكَر اللهُ جلَّ وعلا: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]. (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 2787 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ))
تأملات في سورة المطففين
- بعد أن شاع بين النّاس الفساد والاستغلال في البيع والشّراء، أنزل الله تعالى سورة المطفّفين متوعّدًا فيها هذا الصّنف من النّاس بالعذاب الشّديد، بقوله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}، وسيتمّ تناول لمسات بيانيّة وتأملات في سورة المطففين في الآيات الكريمة السّابقة.
- قال الله -سبحانه وتعالى-: {اكْتَالُواْ عَلَى النّاس}، ولم يقل: كالوا للنّاس، فالحرف “على” يفيد الاستعلاء، واكتالوا على النّاس، أي: تسلّطوا عليهم بالكيل، وأيضًا اكتالوا على النّاس، أي: أخذوا منهم كامل حقوقهم من الكيل وزيادة، وكالوهم، يعني: أعطوهم، ولكن مع البخس، أيّ: إذا أخذوا منهم يستوفون و”يستوفون” أخذُ كاملِ الحقوق وزيادة، وإذا أعطوهم بخسوهم، وأنقصوهم حقوقهم لتسلّطهم عليهم، ولو قال: “اكتالوا منهم” لما كان فيها تسلّط.
- كان البيع والشراء طبيعيّ، فعندما تكونُ التّجارة طبيعية ليس فيها بخس، وليست من باب التّطفيف فيقال: “كالوا منهم”، فلو قال الله تعالى: “اكتالوا منهم” لكانت تجارة عادلة، بيع وشراء دون تسلّط من أحد المتبايعينِ على الآخر.
- وقال تعالى: {وإذا كالوهم}، فلم يقل كالوا لهم، أو كالوه لهم، لأنّهم لم يعطوهم حقّوقهم واللّام تفيد الاستحقاق، فكالوهم يعني لم يعطوهم حقوقهم، فحذفت اللّام الدّالة على الاستحقاق، وجاء بـ “على” للدّلالة على التّسلط، فقول الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}، تسلّط في الحالتين، فـ “كالوهم” يعني بأنّهم لا يراعون الحقوق لا في الأخذ ولا في العطاء، لذلك وعدهم الله تعالى بالويل لهم.
- سمّيت السورة بالمطفّفين لأنّ محورها يدور حول تعنيف الذين يطفّفون في الكيل والميزان وحول أمور العقيدة، كما أنّها تحدّثت عن الدّعوة الإسلاميّة في مواجهة الخصوم الألدّاء.
اقرأ أيضًا:
المصادر: