مفهوم الحديث القدسي وأهم سماته
أنزَلَ عزّ وجل القرآن الكريم والحديث القدسي، كما أنّ أفعال النبي وأقواله وصفاته الخَلقية والخُلقية تُعدّ أيضاً ممّا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وقد أصبح لدى بعض المسلمين خلطٌ حول الحديث القدسيّ والفرق بينه وبين القرآن الكريم والحديث الشريف، لذلك سنتحدّث خلال هذا المقال عن مفهوم الحديث القدسي وأهم سماته.
مفهوم الحديث القدسي وأهم سماته
مفهوم الحديث القدسي
القدسي في اللغة اسمٌ منسوبٌ إلى القدس، ويدلّ على الطهارة والمباركة، فيُقال: قدسي؛ أي طاهرٌ ومباركٌ، ومنه الحديث القدسي الذي يطلق على الحديث المنقول عن النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي أسنده إلى ربه عزّ وجلّ.
وقد يكون السبب الذي من أجله سميت الأحاديث بالقدسية يكمن في دلالات الأحاديث ومعانيها المرتبطة بتقديس وتنزيه وتمجيد الله -سبحانه- عن كلّ نقصٍ، وممّا يؤيد ذلك أيضاً ندرة الأحاديث القدسية التي تتحدث عن الأحكام التكليفية.
وتتعدد الصيغ التي يرد بها الحديث القدسي، منها: قول الراوي: قال النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربه، ومنها أيضاً: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: قال الله -تعالى-، وقد يرد بصيغة: قال الله -تعالى-.
كما أنّ الحديث القدسي ليس بالضرورة أنّه ثابتٌ ثبوتاً لا علة فيه، فالحديث القدسي قد يكون صحيحاً أو حسناً أو ضعيفاً، فوصف الحديث بأنّه قدسي يعني أنّ الحديث منسوبٌ إلى الله تعالى.
اختلف العلماء في كون الحديث القدسي كلام الله -تعالى- باللفظ والمعنى أم بالمعنى فقط، فذهب بعضهم إلى القول بأنه كلام الله باللفظ والمعنى أُوحي به إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- بطريقةٍ من طرق الوحي من غير طريق جبريل عليه السلام، وقال آخرون بأنّ الحديث القدسي كلام الله بالمعنى فقط دون اللفظ.
اتّفق العلماء على وجود لفظين للحديث القدسي: (قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما يروى عن ربّه عزّ وجل)، أو (قال الله تعالى فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم).
سمات الحديث القدسي
- يتميز الحديث القدسي بأنّه موحىً من الله تعالى بالمعنى ولكن يكون لفظه وروايته من الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أي منقول عن الله عزّ وجلّ.
- عند رواية الحديث القدسي يبدأ الرسول عليه الصلاة والسلام بقول يقول الله تعالى أو قال الله تعالى، وفي داخل الحديث ينسب الكلام بياء المتكلم مثل كلمة عبدي، ذكرني فالياء تكون منسوبة إلى الله عزّ وجلّ، ولهذا الحديث القدسي حديث قولي يخاطب به الله تعالى الإنسان.
- يغلب على الأحاديث القدسية أنّها تقرّب الله تعالى من عباده بالتّرغيب، والتّرهيب، والوعظ، واللطف بهم، وموضوعه يكون حول الإرشاد ولا يوجد به أحكاماً تكليفيّة للعباد.
- تعتبر الأحاديث القدسية هي كلام الله تعالى ولكن لا يمكن ترتيلها كما يرتل القرآن الكريم الذي هو أيضاً كلام الله تعالى، ونذكر عند قرائته لا يشترط بأن يكون المرء طاهراً على عكس القرآن الكريم، ولا تتمّ تلاوته في الصلاة.
- الحديث القدسي نزل جملة واحدة دون سبب للنزول على عكس القرآن الكريم الذي نزل متفرقاً وعلى مدار ثلاثة وعشرين سنة، ففي متن وسند الحديث لم يقسم إلى سور واجزاء على غرار سور القرآن الكريم.
- نذكر أيضاُ أنّ الله تعالى لم يتكفل بحفظ الأحاديث القدسية من التحريف والتبديل والوضع، ولهذا يتمّ نقله بالمعنى ولم يسلم بأن يكون الحديث صحيحاً أو ضعيفاً أو موضوعاً.
أمثلة على الأحاديث قدسية
ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في كتب ومصنفات الحديث الشريف عدّة أحاديث قدسيّة، منها ما يأتي:
- روى أبو هريرة رضي الله عنه: (إنَّ اللهَ -تعالى- قال: من عادى لي وليًّا، فقدْ آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممّا افترضتُه عليه، وما يزالُ عبدي يتقرّبُ إليَّ بالنوافلِ حتى أُحبُّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمْعَه الذي يسمعُ به، وبصرَه الذي يُبصرُ به، ويدَه التي يبطشُ بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، وإن استعاذَني لأعيذنَّه، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه تردُّدي عن قبضِ نفس المؤمن، يكره الموتَ وأنا أكْرهُ مساءتَه). (( رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1782، صحيح ))
- روى أبو هريرة رضي الله عنه: (قال اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا أغْنَى الشّركاءِ عن الشّركِ، فمن عَمِل لي عملاً أشركَ فيه غيري فأنا منه بريءٌ وهو للذي أشركَ). (( رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3406، صحيح ))
- روى أنس بن مالك رضي الله عنه: (قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ؛ إنَّك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كانَ منكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ؛ لوْ بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ؛ لوْ أنَّك أتيتَني بقُرَابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشركْ بي شيئاً لأتيتُك بقرابِها مغفرةً). (( رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6047، صحيح ))
عدد الأحاديث القدسية
بيّن الإمام الهيثمي في شرحه للأربعين النووية أنّ عدد الأحاديث القدسية يبلغ مئة أو أكثر، إلّا أنّ البعض من العلماء قال بأنّها تتجازو ذلك، فقد ورد أنّ الأمام المناوي قال بأنّ الأحاديث القدسية بلغت مئتين واثنين وسبعين حديثاً، وقد صنفها مرتبةً على حروف المعجم في كتابٍ أطلق عليه: الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، إلّا أنّه أوردها دون سندها.
اقرأ أيضًا:
المصادر: