الحديث المرسل هو أحد أنواع الأحاديث النبوية الشريفة والتي اختلف الفقهاء في قَبولها أو ردِّها، فاجتهد كثير من العلماء في ذلك، ونوضح في هذا المقال ما معنى حديث مرسل ومدى حجيته.
ما معنى حديث مرسل
تعريف المرسل لغة: يُجمع المرسل على مراسيل، بإثبات الياء وحذفها وأصله مأخوذ من الإطلاق وعدم المنع، يقال: أرسل الشيء أطلقه وأهمله، وأرسل الكلام إرسالًا أطلقه من غير تقييد، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} أي: أطلقنا الشياطين على الكافرين، فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده براو معروف، أو هو مأخوذ من قولهم: ناقة مرسال؛ أي: سريعة السير، فكأن المرسِل أسرع فيه عجلًا فحذف بعض إسناده.
أو مأخوذ من قولهم: جاء القوم إرسالًا أي: متفرقين؛ لأن بعض الإسناد منقطع عن بقيته، وعلى ذلك فللمرسل ثلاث معان لغوية: الإطلاق، الإسراع، التفريق.
وحديث مرسل إذا كان غير متصل الإسناد، وجمعه مراسيل.
تعريف الحديث المرسل اصطلاحًا: اختلف العلماء في تعريف الحديث المرسل، كما سيأتي:
التعريف الأول
الحديث المرسل هو ما رواه التابعي الكبير كسعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا التعريف لا خلاف فيه بين العلماء، كما قال ابن عبد البر.
التعريف الثاني
الحديث المرسل هو ما رواه التابعي مطلقًا، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحاكم: إن مشايخ الحديث لم يختلفوا في أن الحديث المرسل هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي، فيقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام النووي: وقال جماعة من المحدثين أو أكثرهم لا يسمى مرسلًا إلا ما أخبر فيه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جماعة: إن حديث صغار التابعين عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمى مرسلًا، بل منقطعًا؛ لأنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد أو الاثنين، فأكثر روايتهم عن التابعين.
وإلى ذلك الخلاف في تسمية رواية صغار التابعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلة قال ابن الصلاح -رحمه الله-: صورة المرسل التي لا خلاف فيها، حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك؛ أي: التسوية في تسمية ما رواه التابعي مطلقًا، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
قال الحافظ السخاوي: قال شيخنا الحافظ ابن حجر: ولم أَرَ التقييد بالكبير صريحًا عن أحد.
نعم قيَّد الإمام الشافعي المرسل الذي يقبل إذا اعتض بأن يكون من رواية التابعي الكبير ولا يلزم من ذلك أنه لا يسمي ما رواه التابعي الصغير مرسلًا، بل الشافعي صرح بتسمية رواية من دون كبار التابعين مرسلًا، وذلك في قوله، ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة.
وقال أيضًا: فأما من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم منهم واحدًا يقبل مرسله.
التعريف الثالث
هو الحديث الذي لم يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه، وإلى هذا التعريف ذهب الفقهاء وأصحاب الأصول والخطيب البغدادي وجماعة من المحدثين، وعلى هذا التعريف يكون الفقهاء والأصوليون، ومن تبعهم قد توسعوا في مفهوم المرسل حتى كان عندهم شاملًا لكل صور الانقطاع، فيدخل في هذا التعريف: الحديث المعلق، والحديث المنقطع، والحديث المعضل، إلى غير ذلك مما سنبيّنه إن شاء الله تعالى.
قال الإمام النووي: وأما المرسل، فهو عند الفقهاء وأصحاب الأصول والخطيب الحافظ أبي بكر البغدادي، وجماعة من المحدثين ما انقطع إسناده على أي وجه كان انقطاعه، فهو عندهم بمعنى المنقطع.
فقول النووي على أي وجه كان انقطاعه، يشمل السقوط من أول الإسناد، ومن آخره، ومن وسطه، وسواء كان السقوط واحد أو اثنين. قال الآمدي: صورته -أي: المرسل- ما إذا قال من لم يلقَ النبي صلى الله عليه وسلم وكان عدلًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أنكر الحاكم أبو عبد الله هذا التوسع في مفهوم المرسل في كتابه (معرفة علوم الحديث) لأنه يشمل كل صور الانقطاع في الإسناد، فقال الحاكم: فأما مشايخ أهل الكوفة فكل من أرسل الحديث عن التابعين وأتباع التابعين، ومن بعدهم من العلماء، فإنه عندهم مرسل محتج به، وليس كذلك عندنا، فإن مرسل أتباع التابعين عندنا معضل.
حجية الحديث المرسل
كما سبقَ فإنَّ الحديث المرسل هو الحديث الذي يرويه أحد التابعين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون ذكر اسم الصحابي الذي روى عنه، لذلك فالحديث المرسل من الأحاديث الضعيفة التي لا يجوز الأخذ بها والاستدلال بها في الأحكام الشرعية.
والأحاديث المرسلة لا يحتجُّ بها عند جماهير العلماء، فقد وردَ في مقدمة صحيح مسلم عن الإمام مسلم أنَّه قال: “والمُرسَلُ منْ الرِّواياتِ في أصلِ قولِنَا وقَولِ أهلِ العِلمِ بالأَخبارِ ليسَ بحجَّةٍ”، وكذلكَ فإنَّ الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- في كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة يقول: “لقد عرِفَ من علم مصطلح الحديث أنَّ الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف عند جمهور علماء الحديث”.
وسبب عدم الأخذ بالحديث المرسل هو أنَّ الراوي لم يذكرُ عمَّن أخذه، فالمجهول لا يمكن أن يكونَ ثقةً، ومن المعروف أن الاستدلال يسقط مع وجود الاحتمال.
ولكن رآى كثير من الفقهاء أن المرسل يمكنُ أن يحتجَّ به لكن ضمن شروط معينة منها: إذا كان المعنى الذي يحمله الحديث صحيحًا، وإذا وردت عدة قرائن تثبِتُ أن للحديث أصلًا عند ذلك يزداد الظن بقبوله مع ما ورد من قرائن.
ومن الأحاديث المرسلة التي احتجَّ بها المالكية في وجوب الولي حتى يتمَّ الزواج قوله -صلى الله عليه وسلم-: “لا نكاحَ إلا بولي”، وأما الحنفية فقد قالوا بعدم اشتراط الولي لأن هذا الحديث مرسل يرويه أبو إسحاق عن أبي بردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بردة لم يرَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: