صحيح البخاري
صحيح البخاري من الكتب ذات الشهرة قديماً وحديثاً، فإنّه كما يعرف أيضًا باسم الجامع الصحيح، أو الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال كل ما يتعلق بكتاب صحيح البخاري من حيث تعريفه وأسباب وكيفية تأليفه وتراجمه ومكانته العلمية.
صحيح البخاري
كان الإمام البخاري هو أوّل من أّلف كتاباً مفرداً في الحديث الصحيح، وقد سمّاه بالجامع الصحيح من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيّامه.
وقد أولى الإمام البخاري -رحمه الله- كتابه الصحيح عناية فائقة، وألّفه بدقّة وحرصٍ شديدين، ويقول الإمام البخاري عن كتابه الصحيح: جمعت كتابي الجامع الصحيح من ستّمئة ألف حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومكثت في تأليفه ستّ عشرة سنة، وادّخرته حُجَّةً فيما بيني وبين الله -تعالى-.
قال الإمام البخاري: لم أضع في كتابي الصحيح إلّا ما صح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولم استوعب جميع الحديث الصحيح؛ حتّى لا يطول الكتاب، ويعدّ كتاب البخاري أعلى كتب السنّة الستّ سنداً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لأنّ الإمام البخاري كان أكبرهم سنّاً، ممّا مكّنه من لقاء كبار المحدّثين، والأخذ منهم؛ فهو يروي عن جماعة من أئمة الحديث لا يروي بقيّة أصحاب الكتب الستّ عنهم؛ إلّا عن واحد منهم.
اتّفق جمهور العلماء على تقديم الصحيح الجامع للبخاري على صحيح مسلم؛ لأنّ شرط الإمام البخاري كان أعلى وأوثق من شرط الإمام مسلم في قبول الحديث، وقد نقل اتّفاقهم بن الصلاح، وأجمع العلماء على صحّة ما ورد في صحيح البخاري، وتلقّته الأمّة بالقبول جيلاً بعد جيل.
أسباب تأليف صحيح البخاري
كانت الأسباب الداعية إلى تأليف الإمام البخاري لصحيحه الجامع متعددة، ويذكر منها ما يأتي:
- وجود حاجة ماسّة إلى إفراد الحديث الصحيح في كتاب مستقل؛ حتّى يتميّز الحديث عن غيره من أقوال الصحابة، وفتاوى فقهاء التابعين.
- طلب أحد الرجال منه أن يُصنّف كتاباً مختصر في سنّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك عندما كان الإمام البخاري جالساً في مجلس شيخه إسحاق بن راهويه؛ لما لاحظه من قوّة حفظ الإمام البخاري، ومعرفته بعلوم الحديث، واطّلاعه على علل الأحاديث، وأسانيدها.
- وقوع رؤيا للإمام البخاري، رأى فيها نفسه يُبعد الذباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بمروحة كانت في يده، فقيل له في تفسير هذه الرؤيا: إنّك تبعد الكذب عن سنّة النبي -عليه السلام-.
كيفية تأليف صحيح البخاري
ابتدأ الإمام البخاري تأليف كتابه الصحيح مستعيناً بما لديه من معرفة واسعة في علوم الحديث، وأحوال الرواة، وكثرة تنقّله بين البلدان جمعاً للحديث، مع ما وهبه الله -تعالى- من قوّة في الحفظ.
وقد أخذ يؤلّف كتابه بتمهّل وتأنّي، واتّبع في جمعه منهجاً علمياً رصيناً؛ فبدأ الإمام البخاري تأليف كتابه، ووضع المنهج العام له في بيت الله الحرام، ثم أتمّ تأليفه وبيّضه في بلدة بخاري.
وجمع تراجم كتابه في الروضة الشريفة بين قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنبره، وكان يغتسل ويصلي ركعتين؛ استخارة لله -تعالى- قبل وضعه لأيّ حديث في كتابه، وأعاد النظر في كتابه مرّات عديدة، وكان في كل مرّة يُعيد تنقيحه، وتهذيبه، ثمّ عرض كتابه على جماعة من شيوخه الكبار فاستحسنوه، وشهدوا له بصحّة ما ورد فيه إلّا في أربعة أحاديث، ويقول الإمام العقيلي عن هذه الأحاديث الأربعة: رأي البخاري فيها هو الأصحّ.
تراجم صحيح البخاري
تراجم موسوعة صحيح البخاري هي عناوين الأبواب حيث قسّم البخاري صحيحه إلى 97 كتابًا وقسّم كل كتاب إلى أبواب، فهي فيه ظاهرةٌ وخفية، ظاهرة تُعلِم بما ورد في ذلك الباب، أمّا الخفية منها فإنّها تحتاج إلى النظر والاستنباط.
لذلك قيل: فقه الإمام البخاري في تراجمه، فالإمام رحمه الله جمع في كتابه بين حفظ السنة النبوية وبين فهمها، فعمل على إبراز فقه الحديث واستنباط الفوائد منه؛ وذلك بوضع عناوين وتراجم للأبواب تحتوي على الكثير من الأحاديث والآيات، وفتاوى الصحابة والتابعين، مبينًا بذلك فقه الباب والاستدلال عليه.
وكان للبخاري منهجٌ خاص باختيار تراجمه وهو ما شملته دراسة العلماء وعنايتهم أيضًا؛ فبيّنوا منهج البخاري في تراجمه وقسمّوها إلى ثلاثة أقسام وهي:
- تراجم ظاهرة: ويمكن التعبير عنها بالتراجم الواضحة أي التي يكون فيها عنوان الباب دالًّا على ما فيه من الأحاديث دلالة واضحة؛ كأن يكون عنوان الباب هو جزء من الحديث المعنوَن له.
- تراجم خفية: وهي تراجم استنباطية أي التي تدلّ على أكثر من معنى وتُعطي أكثر من دلالة فيأتي الحديث بعدها ليّبين ما هو الاحتمال المقصود من العنوان، ومثاله عنونة البخاري لحديث: “إِذَا أمَّنَ الإمَامُ، فأمِّنُوا، فإنَّه مَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”، بباب جهر الإمام بالتأمين، رغم أنّ الحديث لم يُذكر فيه الجهر صراحةً ولكنّه دلّ عليه ضمنًا، فلمّا وضع البخاري جهر الإمام بالتأمين عنوانًا لهذا الحديث عُرِف ذلك وظهر.
- تراجم مرسلة: وهي التي لم يضع فيها البخاري عنوانًا خاصًا للأحاديث بل اكتفى بقوله “بابٌ”؛ ولكنّ عدد التراجم المُرسلة قليل إذا ما قورن بعدد التراجم الظاهرة والخفية.
مكانة صحيح البخاري العلمية
إنّ لكتاب صحيح البخاري مكانة علميَّة عظيمة؛ فهو أول مصنفٍ تم تصنيفه في الصحيح المجرّد، وهو أصحُّ الكتب بعد القرآن الكريم، إذ إنّ فيه من الفوائد والمعارف الشيء الكثير، وتلقته الأمة بالقبول.
قال الإمام النووي فيه: “اتَّفق العُلماء رحمهم اللّه تعالى على أنَّ أصحَّ الكُتب بَعد القرآنِ العزيز الصَّحيحانِ: البخاري ومسلم، وتلقَّتهما الأمّةُ بالقبول، وكتاب البخاري أصحُّهما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرةً وغامضة، وقد صحَّ أنَّ مسلمًا كان ممَّن يَستفيد مِن البُخاري، ويَعترفُ بأنَّه ليس له نظيرٌ في عِلم الحديث، وهذا الَّذي ذكرناه مِن ترجيح كتاب البخاري هو المذهبُ المختار الَّذي قاله الجمهور وأهل الإتْقان والحذق”.
اقرأ أيضًا:
المصادر: