كان الإمام البخاري هو أوّل من أّلف كتاباً مفرداً في الحديث الصحيح، وقد سمّاه بالجامع الصحيح من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيّامه، وقد أولى الإمام البخاري -رحمه الله- كتابه الصحيح عناية فائقة، وألّفه بدقّة وحرصٍ شديدين، ونستعرض في هذا المقال عدد أحاديث صحيح البخاري ومنهجه في جمع الأحاديث.
عدد أحاديث صحيح البخاري
تعدّدت أقوال أهل الحديث في بيانهم لعدد الأحاديث الواردة في صحيح البُخاري، وهي كما يأتي:
- بيّن الأمام البُخاري أنّه أورد في كتابه ستمئة ألف حديث، وصنّفه في ستة عشر سنة، وجعله حُجّة بينه وبين الله -تعالى-.
- بيّن العلامة ابن الصلاح في كتابه عُلُوم الحديث أنّ عدد الأحاديث في صحيح البخاري سبعة آلاف ومئتين وخمسة وسبعون حديثاً مع المُكرّر منها، وأربعة آلاف حديث من غير المُكرّر، وهو أيضاً قول أبو مُحمد السرخسي راوي الصحيح ومن تبعه، وذكر أيضاً أنّ الأحاديث الصحيحة التي لم يذكرها الإمام البُخاري أكثر من التي ذكرها في كتابه، ولهذا القول ذهب الإمام النووي.
- بيّن المناوي أنّ عددها سبعة آلاف وثلاثمئة وسبعةٌ وتسعون حديثاً مع التكرار؛ باستثناء المُتابعات والأحاديث المُعلّقة، وهي ألفين وخمسمئة وثلاثة عشر حديثاً ما عدا المُكرّر.
وقد حرّر الحافظ ابن حجر في مُقدّمة كتابه فتح الباري الأحاديث في صحيح البُخاري، وخرج بالخُلاصة التالية:
- عدد الأحاديث المرفوعة الموصولة سبعة آالاف وثلاثمئة و سبع وتسعون حديثاً مع التكرار، و ألفين و ستّمئة وحديثين من غير تكرار.
- عدد الأحاديث المرفوعة ولكنها مُعلّقة ألف وثلاثمئة وواحد وأربعين حديثاً مع التكرار، وأمّا الأحاديث المُعلّقة من غير تكرار فعددها مئة وتسع وخمسون حديثاً.
- عدد المُتابعات والتنبيهات مع اختلاف الروايات ثالاثمئة وأربع وأربعين حديثاً.
- عدد الأحاديث الموصولة والمُعلقة والمُتابعات المرفوعة تسعة آالاف و اثنين وثمانين حديثاً مع التكرار.
- عدد الأحاديث المرفوعة سواءً أكانت موصولة أو مُعلقة ألفين وسبعمئة وواحد وستّين حديثاً من غير تكرار.
طريقة الإمام البخاري في جمع الأحاديث
كان الإمام البخاري لا يأخذ الحديث إلّا من العلماء الثقات، وقد روى الحديث في كتابه الصحيح عن خمس طبقات من الرواة، واحتاط في جمعه للأحاديث النبويّة أشدّ الاحتياط، وقد كرّر النظر في كتابه الصحيح ثلاث مرّات، ويُعيد في كلّ مرّة تصحيح ما ورد فيه، وانتقاه من ستّمئة ألف حديث؛ فبلغ جملة ما في صحيحه من الأحاديث المسندة مع المكرّر سبعة آلاف ومئتين وخمسة وسبعون حديثاً، وأربعة آلاف حديث من غير المكرر.
وقد اتّبع الإمام البخاري في ترتيب صحيحه أسلوباً فريداً؛ حيث رتّب صحيحه على كتب مختلفة، ينضوي تحت كلّ كتاب مجموعة من الأبواب، وبلغ عدد الكتب التي وضعها البخاري في صحيحه سبعة وتسعين كتاباً.
ابتدأ صحيحه بكتاب بدء الوحي، ثم اتبعه بكتاب الإيمان، ثمّ كتاب العلم، ثمّ أورد كُتب العبادات من وضوء، وغسل إلى أن أتمّ جميع العبادات، وجمع في تلك الكتب أحكام الشريعة، سواءً العمليّة أو الاعتقاديّة، ومن ذلك أيضاً كتاب تفسير القرآن، وفضائله، وكتاب الأدب، وكتاب الدعوات، وكتاب الرِّقاق، ثمّ وضع كتاباً ذكر فيه أحاديث الأنبياء -عليهم السلام-، وكتاب المناقب.
ووضع كتاباً في المغازي خصّه بذكر سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وغزواته، ووضع كتاباً في الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-، وجعل في أخر صحيحه كتاب الفتن، وكتاب الأحكام، وكتاب التمنّي، وذكر كتاب أخبار الآحاد، وكذلك كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنّة، وختم صحيحه بكتاب التوحيد.
شروط البخاري في صحيحه
اشترط الإمام البخاري في جمعه للأحاديث التي وضعها في صحيحه مجموعة من الشروط، وبيان هذه الشروط فيما يأتي:
- صحّة الإسناد: كون الحديث متصل الإسناد، ويرويه الثقات العدول، ويسلم من الشذوذ؛ أي من مخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق منه، أو يخالف الأكثر عدداً، أو الأشدّ ضبطاً، ويخلو من العلّة القادحة.
- عدالة الرواة: كون الراوي قوي الحفظ، متقناً لما يرويه، ملازماً لشيخه الذي يروي عنه، كثير الرواية عنه، فيُخرّج لهؤلاء في الأصول، وأمّا من لم يلازم شيخه طويلاً، أو لم يُكثر في الرواية عنه؛ فإنّه يروي عنه في المتابعات، والشواهد.
- اللقاء والمعاصرة: ثبوت اللقاء ولو لمرّة واحدة بين الرواي الثقة وشيخه؛ إذا كان يحدّث عن شيخه بلفظ العنعنة*، ولا يكتفي بمعاصرة الراوي لشيخه فقط؛ لاحتمال أن يروي الراوي عن شيخه بطريق الإرسال؛ فإذا ثبت اللقاء بين الراوي وشيخه حمل لفظ العنعنة على السماع المباشر، وهذا الشرط أقوى من شرط الإمام مسلم، والإمام أحمد بن حنبل- رحمهما الله- الذان اكتفيا بالمعاصرة فقط دون اللقاء.
بعض شروح صحيح البخاري
انقسم العلماء في العناية بصحيح البخاري بين شارح له، ومستنبط للأحكام من نصوصه، وباحث في رواته ومعلقاته التي أوردها في صحيحه، وبين مفسر لغريب ألفاظه، ومنهم من سعى إلى حلّ مشكلات الإعراب فيه، وقد بغلت الشروحات والتعليقات المؤلّفة على صحيح البخاري أكثر من مائة وثلاثين شرحاً متنوعاً، وفيما يأتي بيان لأهم هذه الشروح وأشهرها:
- فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ للمحدث الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المكنى بأبي الفضل، ويعدّ شرحه من أهم الشروح، وأوسعها، وأعلاها فضلاً، ويقول العلامة الشوكاني عن هذا الشرح: لا هجرة بعد الفتح.
- كتاب عمدة القاري في شرح البخاري، ألّفه العلامة محمود بن أحمد العيني الحنفيّ مذهباً.
- إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري، لشهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني.
- الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، لمصنّفه شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني.
- شرح ابن المنير، وقد ضعه الإمام ناصر الدين علي بن محمد بن المنير الإسكندراني في نحو عشر مجلدات، وهو من الشروح الكبيرة على صحيح البخاري.
- شرح ابن بطال على صحيح البخاري، ألّفه الإمام أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك، المعروف بابن بطال القرطبي المالكي مذهباً.
- كتاب التوشيح شرح الجامع الصحيح، للإمام جلال الدين السيوطي.
- التلويح في شرح الجامع الصحيح، كتبه الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج التركي المصري الحنفيّ.
اقرأ أيضًا:
المصادر: