قدم النبي مجموعة من الوصايا التي لا تقدر بثمن في حديثه الشريف حينما قال لابن عباس رضي الله عنهما (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك) ونستعرض في هذا المقال شرح تفصيلي لحديث احفظ الله يحفظك.
حديث احفظ الله يحفظك
“احفظ الله”
في قول النبي صلى الله عليه وسلم (احفظ الله): الأمر بحفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه وحفظ ذلك يكون بالوقوف عند أوامره بالامتثال وعند نواهيه بالاجتناب وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إلا ما نهى عنه فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه قال تعالى: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ).
وقد جاءت النصوص بحفظ أمور مهمة والاعتناء بها فمن ذلك:
- الطهارة: فإنها مفتاح الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء الا مؤمن). رواه احمد. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على الوضوء لكل صلاة كما ثبت في السنة.
- الصلاة: فقد أمر الله سبحانه بالمحافظة عليها في قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ). ومدح المحافظين عليها وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حافظ عليهن كن له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة). رواه أحمد.
- الأيمان: أمر الله بحفظها كما في قوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُم) وكثيرا من الناس يكثر من الحلف لغير حاجة واذا حلف فلا يلتزم بما يجب فيها ومنهم من يحلف بالله كاذبا وقد ورد الوعيد في التساهل في ذلك.
- الرأس والبطن: أمر الله بحفظهما كما في حديث عبدالله بن مسعود: ( الاستحياء حق الحياة أن تحفظ الرأس وماوعى وتحفظ البطن وما حوى). وحفظ الرأس يتضمن حفظ السمع والبصر واللسان عن المحرمات وحفظ البطن يتضمن حفظ القلب عن المحرمات وحفظ البطن عن أكل الحرام وشهوة الرأس والبطن مهلكة لكثير من الخلق وقد تساهل الناس في أكل الحرام وورد في ذلك وعيد شديد.
- اللسان والفرج: وهما من أعظم ما يجب حفظه عن المحرمات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة). وقد أمر الله عزوجل بحفظ الفروج ومدح الحافظين لها فقال: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ). وهذان العضوان من أعظم الأسباب التي تدخل النار وقد ورد وعيد شديد لمن فرط فيهما وإذا افتتن المرء فيهما أصيب في مقتل ولا يحافظ عليهما إلا الكمل من أهل الإيمان.
حفظ الله لعباده
مراده من حفظ حدود الله وراعى حدوده حفظه الله فإن الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ). وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان:
الأول: حفظه في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله قال الله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ). قال ابن عباس: (هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلو عنه).
ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعفه ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله وكان العالم أبو الطيب الطبري قد جاوز المئة سنة وهو ممتع بقوته وعقله فوثب يوما وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر. و
من حفظ الله للعبد حفظ ذريته بعد موته بصلاحه كما في قوله تعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) قال ابن عباس: (إنهما حفظا بصلاح أبيهما). وقال ابن المنكدر: (إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله فما يزالون في حفظ من الله وستر). وعكس هذا من ضيع الله ضيعه الله فضاع بين خلقه حتى يدخل عليه الضرر من حيث كان يرجو نفعه من أهله كما قال بعض السلف: (إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خادمي ودابتي).
الثاني: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه فيحفظه في حياته من الشبهات ومن الشهوات المحرمة ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان ففي الصحيحين عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمره أن يقول عند منامه: (إن قبضت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).
والله يحول بين العبد وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ وقد لا يشعر العبد بذلك وقد يكون كارها له كما قال في حق يوسف عليه السلام: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ). ولذلك ورد في المستدرك: (إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماء).
فالعبد الصالح يحميه الله من فتنة الدنيا ووسائل الفتن ويغلق عليه أبواب الشر ويفتح عليه أبواب الخير كما قال ابن مسعود: (إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له فينظر الله إليه فيقول للملائكة اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار فيصرفه الله عنه فيظل يتطير يقول سبقني فلان دهاني فلان وما هو إلا فضل الله عز جل).
احفظ الله تجده تجاهك
في هذه الجملة النبوية دليل على إثبات معية الله لعبده فمن حفظ حدود الله وجد الله معه في كل أحواله حيث توجه يحوطه وينصره ويوفقه ويسدده كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون).
اقرأ أيضًا:
المصادر: