مراحل تدوين الحديث
كان التدوين في عصر الرسول قليلاً جداً، لكن مع الابتعاد عن زمن النبي بدأ التدوين يزداد شيئاً فشيئاً، وقد نهى الرسول عن تدوين الحديث أثناء نزول القرآن لكي لئلا يختلط مع كلام الله، وبعد أن أمن الرسول عدم وجود التباس في القرآن سمح بتدوين الحديث، ونستعرض في هذا المقال جميع مراحل تدوين الحديث وأهم دواوين السنة النبوية وأشهر علماء التدوين.
مراحل تدوين الحديث
مرحلة البدء والتأسيس في عهد الصحابة
بدأت هذه المرحلة بعد وفاة الرسول، وقد انتشر الصحابة في الآفاق لعدم قدرتهم إلى الرجوع إلى الرسول، وبرز الاهتمام بعلم النحو بسبب فساد اللسان العربي، وقد حرص الصحابة على الحذر والتثبت والتحري في نقل الحديث.
وبعد مقتل عثمان بن عفان حصلت الفتنة وبأت الفرق الكثيرة تخرج، فقد كانوا يطلبون السند من بعضهم البعض، ويقصد بالسند من هو الصحابي الذي رويَ الحديث عنه أي قائله، فاتسمت هذه المرحلة بـ:
- التثبت في أخذ الأخبار، وكيفية ضبطها، بالانتباه لها، ووعيها، والتدقيق في نقلها للآخرين.
- الاعتدال في الرواية النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من التحذير بالكذب على رسول الله.
- نقد المتن والحذر واليقظة من أهل الفتن والأهواء.
مرحلة البناء والتأصيل والتكامل
يعرف بعصر التابعين وهم اللذين لم يروا الرسول لكنهم آمنوا به، وفيه هذه المرحلة ظهر التثبت من الرواية، ودقق في النقل، بسبب ظهور من يتعمد الكذب والمتعصبون للمذاهب المختلفة، وأبرز ما ظهر في هذه المرحلة الكتابة في الجرح والتعديل، الذي يبحث في أحوال الرواة من حيث القبول والرد، وهذا أدى إلى الاجتهاد في البحث عن الرواة، ونقد الإسناد.
مرحلة النضوج والتدوين
سمّيَ هذا العصر بالعصر الذي لاتسامه بالقوة، والنضوج، والرسوخ، وفي هذه المرحلة دونت الأحاديث، وصنف العلماء علم المصطلح إلى المرسل، العلل، وتاريخ الرجال، والثقات، والضعفاء، والناسخ والمنسوخ.
مرحلة الكتابة والاستكمال
تمت في هذه المرحلة بتدوين الحديث في كتب خاصة، وبدأ الاهتمام في أنواع علم المصطلح المختلفة، وأهم هذه العلوم:
- علم الجرح والتعديل.
- علم رجال الحديث.
- علم مختلف الحديث.
- علم علل الحديث.
- علم غريب الحديث.
- علم ناسخ الحديث ومنسوخه.
مرحلة الجمع والترتيب والتمحيص وما تلاها
اتسمت هذه المرحلة بالضبط والنقد بالرغم من كثرة العلماء، واشتهرت هذه المرحلة بالتأليف لتستفيد من الكتب التي ألفت في المرحلة السابقة، وتلاها كل من المراحل التالية:
- مرحلة الركود والجمود: توقف الاجتهاد في مسائل العلم والابتكار والتصنيف.
- مرحلة البقضة والتنبه: بعد اتصال الغرب بالشرق، ونتيجة الحروب العسكرية والفكرية، تنبهت الأمه الإسلامية لهذه الأخطار، الأمر الذي أدى إلى ابتكار طرق جديدة للتدوين.
أسباب تدوين الحديث
- استخراج المعاني واستنباط الأحكام من تعاليمه، ووضع الضوابط التي تمكن المسلم من خلاها الاطمئنان إلى معرفة الحديث المقبول من المردود، والصحيح من الضعيف، والمتصل من المرسل.
- المساهمة في حفظ أصول الدين وسنة محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الدراية والبحث والنقد والتثبت، ومنع أهل البدع والأهواء والإلحاد من وضع الأحاديث وقلب الأسانيد.
- يتم الاقتداء برسول الله من خلاله.
- تنقية وصيانة الأذهان من الخرافات والأساطير التي تفسد العقل.
- معرفة المسلم لقواعد هذا العلم الذي تجنبه خطر الوعيد العظيم.
أهم دواوين السنة عند المسلمين
اختلفت طرائق العلماء في تدوين السنة النبوية، وأشهر هذه الطرق تصنيفها كالآتي:
- كتب الحديث الصحيح وحده: ومن أشهر الكتب على هذا المنهج: صحيح البخاري ومسلم.
- كتب الحديث الصحيح والحسن والضعيف: ومن أشهر الكتب في ذلك: كتب السنن الأربعة ومسند أحمد.
- كتب الحديث الضعيف والموضوع: فمنهم من صنّف في بيان الضعفاء مثل: كتاب الضعفاء لابن حبان، ومنهم من صنّف في أنواع معينة من الضعيف خاصّة، كالمُرسل والموضوع ونحوه، مثل: المراسيل لأبي داود والموضوعات لابن الجوزي.
أشهر علماء تدوين الأحاديث
بذل كثير من علماء المسلمين جهوداً جبارة في جمع سنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وتدوينها، ومن أشهر هؤلاء الأئمة الأعلام:
أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَردِزبَة البخاري
ولد في بخارى عام 194هـ، نشأ فيها يتيماً، وحفظ الكثير من الأحاديث قبل أن يبلغ العاشرة، ثم ارتحل من مدينته بخارى وقام برحلة إلى مدن مختلفة في العالم الإسلامي لجمع الحديث النبوي وتدوينه.
التقى وسمع من ألف شيخ، وجمع ما يقرب من ستين ألف حديث، ثم انتقى من هذه الأحاديث أصح الصحيح ودوّنها في كتابه: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وسننه وأيامه، ونفاه أمير بخارى بعد أن رفض القدوم لتعليم أبنائه، فنزل في مدينة خرتنك بالقرب من سمرقند، وتوفي عام 256هـ عن اثنين وستين عاماً.
أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري
ولد في مدينة نيسابور عام 204هـ، وطلب فيها العلم، ثم في سن الشباب ارتحل للعراق والحجاز ليكمل رحلته في طلب الحديث، وصنّف كتابه في الحديث خلال خمسة عشر عاماً، وهو أصح كتب الحديث بعد صحيح البخاري، وتوفي في مدينة نصر أباد عام 261هـ عن سبعة وخمسين عاماً.
أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني
أحد أئمة الحديث الكبار، ولد عام 202هـ، ارتحل إلى بلدان كثيرة لسماع الحديث، مثل: الحجاز، والعراق، ومصر، وتعلم الفقه على يد الإمام أحمد بن حنبل، دوّن كتابه السنن وفيه خمسة آلاف وثلاثمئة حديث تقريباً، وتوفي عام 275هـ.
أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي
ولد عام 209هـ في مدينة ترمذ من بلاد ما وراء النهر، طاف في العديد من المدن الإسلامية طالباً للحديث، مثل: العراق، وخراسان، والحجاز، ومن شيوخه: أحمد بن حنبل، وأبو داود.
صنّف كتابه الجامع في الحديث النبوي وأكثره في الأحاديث الفقهية، وذكر فيه العديد من مسائل العلل وحكم فيه على الأحاديث التي أوردها، وهو أحد الكتب الستة المعتمدة عند العلماء، أُصيب بالعمى في آخر عمره، وتوفي عام 279هـ عن سبعين عاماً.
أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي
ولد عام 215هـ في مدينة نسا وهي من مدن خراسان، كان عالماً كبيراً في الجرح والتعديل، وسكن مصر، وفيها انتشر علمه، ثم انتقل إلى دمشق، وتوفي عام 303هـ.
أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني
ولد عام 209هـ في قزوين، كان أبوه يلقب بماجه فسُمّي: ابن ماجه، ارتحل إلى مدن عديدة، مثل: البصرة، والكوفة، والعراق، ومصر، ونحوها، وصنّف كتباً عديدة، منها: كتاباً في التفسير، وكتاباً في التاريخ، وكتابه السنن، وتوفي عام 273هـ عن أربع وستين عاماً.
اقرأ أيضًا:
المصادر: