حديث من ترك شيئا لله

رُوِيَ عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (من ترك شيئا لله عوضه الله خيرًا منه)، حيث تتضمن هذه العبارة معنىً فيه حثّ على التّرك ابتغاء مرضاة الله، كما تحمل البشرى بالمثوبة على هذا الفعل، وتنتشر هذه الصيغة على ألسنة الكثيرين، ويستخدمها الدّعاة ويستشهدون بها في مواطن كثيرةٍ، ولكن ما نسبة هذه الصيغة إلى الحديث الشريف، وما دلالاتها؟

حديث من ترك شيئا لله

من_ترك_شيئا_لله_عوضه_الله_خير_منه

يحمل حديث “من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه” معنىً صحيحاً شرعاً، وقد تضمّنت بعض الآيات فكرة هذا القول الحكيم كما سيأتي، لكنّه لم يثبت بنصٍّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، غير أنّ الألباني صحّح سنده وأورده في مصنّفه حجاب المرأة، بنصّ: (من تركَ شيئًا للهِ، عوَّضهُ اللهُ خيرًا منه)، ولكنّ حديثاً صحيحاً ورد بأسانيد متعددةٍ يدل عليه، ويحمل معناه ومضمونه، ولفظه: (إنك لن تدعَ شيئًا للهِ عزَّ وجلَّ، إلا أبدلك اللهُ به ما هو خيرٌ لك منه).

مضمون “من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه”

حديث من ترك شيئا لله

إنّ العبد المسلم بتغلّبه على شهواته، وحظوظ نفسه الأمّارة بالسوء لأجل مرضاة الله -عز وجل- يمتنع عمّا تهواه نفسه ممّا حرّمه الله، بل ويترك من الحلال ما جاء به أمرٌ تعبّدي، كحال الصائم في رمضان؛ فمن كان هذا فعله في مسائل الأمر والنّهي؛ فإنّ الله لن يخيِّب رجاء عباده، ونِعْمَ ما رجا وأمّل لمّا ترك وامتنع؛ فإنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فسيجازي عبده بما هو أنفع وأفضل، وصدق الله تعالى إذ يقول: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)

صور ومشاهد عملية لصدق هذا القول

من المؤكّد شرعاً أنّ من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، بل إنّها قاعدةٌ عظيمةٌ للحثّ على كلّ خيرٍ وفضيلةٍ، والدعوة إلى شراء الآخرة الباقية بالدنيا الزائلة، وشحذٌ للهمم على البذل والعطاء في سبيل الله، وتتعدّد صور هذه القاعدة بما يصعب على الباحثين حصرها، فمن صورها على سبيل المثال:

  • عُرِضَتْ على نبي الله يوسف – عليه الصلاة والسلام – المغريات في أرقى صورها، فاستعصم فعصمه الله، وترك ذلك لله – عز وجل -؛ لأنَّ الله جعله من المخلصين، وأُوذِيَ بسبب ذلك؛ فاختار السجن على ما يدعونه إليه، فصبر واختار ما عند الله فعوضه الله تعالى أحسن العوض، فملَّكه على خزائن الأرض، وعلمه تأويل الرؤيا، فنعم المُعْطِي، ونعم المُعْطَى، ونعمت العَطِيَّة.
  • يتضح هذا المعنى جليّاً في الصدقة والإنفاق، وأنّ من بذل من ماله يريد بذلك وجه الله تعالى، فسيطرح الله له البركة في ماله، ويزيد له فيه، حيث يقول تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، ويؤكّد هذا حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ يقول: (ما نقُصتْ صدقةٌ من مالٍ وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزّاً، وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ). (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2588 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
  • من ترك الانتقام لنفسه، ومنعها عن التشفّي مع قدرته على ذلك، وكظم غيظه وهو قادر على إنفاذه إلا عوّضه الله انشراحاً في صدره، وفرحاً يغمر قلبه؛ فالعفو يعقبه طمأنينةٌ وسكينةٌ وحلاوةٌ يجدها العبد في نفسه، ففي الحديث عن أبي هريرة أنّ النبي -عليه السلام- قال: (وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزّاً). (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2588 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
  • هذا فضلاً عمّا ينتظره من الكرامة والمثوبة عند لقاء الله -عزّ وجلّ- يوم القيامة كما جاء في الحديث الشريف: (مَن كَظَمَ غيظًا وهو قادرٌ على أن يَنْفِذَه، دعاه اللهُ -عزَّ وجلَّ- على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرُه اللهُ مِن الحُورِ ما شاءَ). (( الراوي : معاذ بن أنس | المحدث : أبو داود | المصدر : سنن أبي داود، الصفحة أو الرقم: 4777 | خلاصة حكم المحدث : سكت عنه ))
  • من ترك التكبّر على النّاس، وامتنع عن التعالي، وتخلّق بالتواضع يبتغي بذلك مرضاة الله ومثوبته، كانَ له من الرفعة والمحبّة بين الخلق، وعلو المكانة نصيباً مفروضاً، حيث يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (وما تواضَع أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ). (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2588 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
  • وقد جاء في الحديث عن فضل من ترك التباهي باللباس ابتغاء مرضاة الله ما تتوق له الأنفس وتطيب به القلوب، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من ترَكَ اللِّباسِ تواضعًا للَّهِ وَهوَ يقدرُ عليْهِ دعاهُ اللَّهُ يومَ القيامةِ على رؤوس الخلائقِ حتَّى يخيِّرَهُ من أي حللِ الإيمانِ شاءَ يلبسُها). (( الراوي : معاذ بن أنس | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي، الصفحة أو الرقم: 2481 | خلاصة حكم المحدث : حسن ))

اقرأ أيضًا:

أحاديث قدسية عن رحمة الله

المصادر:

مصدر 1

مصدر 2

مصدر 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *