نزلتْ سورة البلد بعد سورة ق وقبل سورة الطارق وقد بدأها الله تعالى بقَسَمٍ شأنها شأن كثير من سور الكتاب، يبلغُ عدد حروف سورة البلد ثلاثمائة وإحدى وخمسين حرفًا، يستعرض هذا المقال أسباب نزول سورة البلد ومكان نزولها بالإضافة إلى سبب تسميتها وفضلها.
أسباب نزول سورة البلد
تُعَدُّ سورة البلد من السور القرآنيّة التي أنزلَها الله -سبحانه وتعالى- لعدة أسباب، فمِن آياتها ما نزلت لتذكّر الناس بأهوال يوم القيامة وما يدور فيها من أحداث وشدائد، كخروج الناس من القبور وانتشارهم كالفراش المتطاير من شدّة الفزع ولا يستطيع الإنسان تجاوزها إلا بالأعمال الصالحة، كما بيّنت الفرق بين المؤمنين والكافرين في يوم الفزع الأكبر وكيف يكون حال السعداء والأشقياء في دار الجزاء، وفيما يأتي بيان أهمّ أسباب نزول سورة البلد منها:
اغترار الكفار وعنادهم للحق، قال الله -سبحانه وتعالى-: “أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ” نزلت هذه الآية الكريمة في أبي الأشدّ بن كلدة الجُمحي، الذي كان مغترًا بقوته فعاند الحق، قال ابن عباس: “كان أبو الأشدّين يقول: أنفقت في عداوة محمد مالًا كثيرًا، وهو في ذلك كاذب”.
“يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا” نزلت هذه الآية في الحارث بن عامر بن نوفل، إذ إنّه أذنب وجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفتيه، فأمره الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بأنّ يُكَفِّر، فقال الحارث: “لقد ذهب مالي في الكفّارات والنفقات، منذ دخلت في دين محمد”، ولكن الهدف من قوله ذلك قد يكون استطالة بما أنفق فيكون طغيانًا منه، أو قد يكون أسفًا عليه، فيكون ندمًا منه.
عنِ ابنِ عبَّاسٍ في قولِه: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1] قال: مكَّةُ، {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 2] قال: مكَّةُ {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: 3] قال: آدَمُ، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4] قال في اعتدالٍ في انتصابٍ. (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الطبراني | المصدر : المعجم الأوسط، الصفحة أو الرقم: 5/206 | خلاصة حكم المحدث : لم يرو هذا الحديث عن ثابت أبي المقدام إلا ابنه عمرو بن ثابت ))
هل سورة البلد مكية أم مدنية؟
سورة البلد سورة مكية، جاء الأمر الإلهي للوحي جبريل -عليه السَّلام- أنَّ ينزل بها على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، وهي سورة من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها عشرين آية، وهي السورة التسعون في ترتيب سور المصحف الشريف حيث تقع في الجزء الثلاثين والحزب الستين، كما أنَّ بعض أهل العلم والتفسير أطلقوا على سورة البلد اسم سورة “لا أقسم”، ولأنَّها سورة مكية فقد كان من أهدافها تثبيت العقيدة في قلوب المسلمين، فقد ركَّزت هذه السورة المباركة على تثبيت إيمان المسلمين بيوم الحساب، يوم البعث وميَّزت مصائر الناس يوم الحساب.
سبب تسمية سورة البلد
سُمّيتْ سورة البلد بهذا الاسم؛ وذلك لذكرِ البلد فيها بقولِه -سبحانه وتعالى-: “لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ*وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ” صدق الله العظيم، إذ أقسَمَ الله -سبحانه وتعالى- بمكة المكرمة “أم القرى” التي كان يسكنُ بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- فازدادتْ شرفًا ومكانةً لوجود مقامه الكريم فيها، وهذا تكريم للنبي -صلى الله عليه وسلم- إذ إنّه أي مكان يحلُّ به يضفي على المكان جمالًا وبهاءً وشرفًا ورفعة ومكانة عالية.
فضل سورة البلد
لم يرد في فضل سورة البلد حديثٌ ثابتٌ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وإنما انحسر فضل سورة البلد كغيرها من سور القرآن الكريم في أجر التلاوة، فالحرف بحسنةٍ والحسنة بعشر أمثالها إلى جانب أنّ قراءة القرآن سببٌ لعلوّ الدرجة والمقام في الآخرة والشفاعة:”اقْرَؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه”. (( الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 804 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وردت بعض الأحاديث الموضوعة في فضل هذه السورة مثل حديث: “من قرأ هذه السورة أعطاه الله تعالى الأمان من غضبه يوم القيامة”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن القيسراني | المصدر : ذخيرة الحفاظ، الصفحة أو الرقم: 4/2370 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
مقاصد سورة البلد
أقسم الله تعالى بالبلد، والبلد هي مكة المكرمة، ثمَّ أقسم بآدم وذريته كاملة، أنَّه خلق الإنسان في تعب ومشقَّة، فهل يظنُّ الإنسان المخلوق من تعب ومشقة أنَّه غالب ولن يغلبه أحد، فيستكبر على ما أنفق من ماله ويحسبه كبيرًا، كلُّ هذا قليل أمام خلق الله تعالى فقد جعل له عينين ولسانًا وشفتين وبيَّن له طريق الخير والشر أيضًا.
العقبة هي مجاهدة النفس في سبيل فعل الخيرات، والعقبة فكُ رقبة أي الإنفاق في سبيل الله تعالى في سبيل عتق الرقِّ والعبيد، والعقبة هي إطعام المساكين والأيتام وقت الجوع والشدائد فالآيات تدعو إلى البذل والعطاء في سبيل الله دون تقتير أو ندم، والآيات هذه تشير إلى أنَّه من بذل وأنفق في سبيل الله دون ندم أو بخل أو شحٍّ، فهو من الذين آمنوا وتواصوا مع بعضهم بالرحمة، هؤلاء هم أصحاب الجنة والفلاح، ومن كفر فهم أصحاب النار التي ستقفل عليهم ويخلدون فيها أبدًا.
اقرأ أيضًا:
المصادر: