أسباب نزول سورة المطففين
تقع سورة المطففين في الجزء الثلاثين وفي الحزب التاسع والخمسين، وهي سورة لم يذكر فيها لفظ الجلالة قط، ويستعرض هذا المقال أسباب نزول سورة المطففين ومكان نزولها بالإضافة إلى سبب تسميتها وفضلها.
أسباب نزول سورة المطففين
إنَّ أسباب نزول الآيات القرآنية تختلف باختلاف الحادثة والمكان والزمان الذي نزلت به كلُّ سورة، فعِلم أسباب نزول الآيات والسور علم كبير، وجدير بالذكر أن هناك في القرآن الكريم بعض الآيات التي لم يرد في حقِّها أي سبب نزول، وبالتخصيص في سبب نزول سورة المطففين فإنَّه مما وردَ في أسباب نزول هذه السورة ما يأتي:
جاء عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: “لما قدم النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- المدينةَ كانوا من أخبث الناس كَيلًا، فأنزل الله تعالى: “وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، فأحسنوا الكيل بعد ذلك”. (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 4919 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ))
قال القرظي: “كان أهلُ المدينةِ تُجَّارًا يُطفِّفونَ، وكانتْ مُبايَعتُهمُ المنابَذَةُ والملامَسةُ والمخابَرَةُ، فنزلتْ فخرج -رسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فقرأها عليهِمْ” أي نزلت سورة المطففين وقرأها رسول الله على التجار، وهذه رواية ضعيفة.
عن أبي هريرة قال: قدِمْتُ المدينةَ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخيبرَ ورجُلٌ مِن بني غِفارٍ يؤُمُّهم في الصُّبحِ فقرَأ في الأُولى {كهيعص} وفي الثَّانيةِ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وكان عندَنا رجُلٌ له مِكيالانِ مِكيالٌ كبيرٌ ومِكيالٌ صغيرٌ يُعطي بهذا ويأخُذُ بهذا فقُلْتُ : وَيْلٌ لِفُلانٍ. (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 7156 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ))
هل سورة المطففين مكية أم مدنية؟
إنَّ سورة المطففين واحدة من السور المكية، أي من السور التي نزلتْ على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في مكة المكرمة، وقد نزلت بعد سورة العنكبوت، وهي من المفصل، ويبلغ عدد آياتها 36 آية، وهي السورة الثالثة والثمانون في ترتيب المصحف.
سبب تسمية سورة المطففين
تختلف أسماء السور القرآنية، وتختلف أسباب تسمية هذه السور بهذه الأسماء وفق معايير خاصّة بكل سورة، فسورة البقرة وسورة الكهف وسورة الروم هي سور قرآنية سُمِّيت بأسمائها؛ لأنها تضمّنتْ قصة معينة في آياتها فُسمِّيت باسم هذه القصة تيمُّنًا بها، ولأنَّ هذه القصة هي محور السورة القرآنية التي سُمِّيتَ باسمها في الغالب.
تُسمى بعض السور القرآنية بكلمات تَـرِدُ في مطالع هذه السور، وهذا فيما يخصُّ عددًا كثيرًا من سور الكتاب كسورة النجم على سبيل المثال، وسورة القارعة، وسورة الواقعة، وهذا هو ذات السبب الذي سُمِّيت سورة المطففين باسمها لأجلِهِ، فهذه السورة تبدأ في الآية الأولى بذكر المطففين، قال تعالى: “وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ”، والمطففين هم الذين ينقصون الناس، ويبخسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كَالُوْهُمْ، أو موازينهم إذا وزنوا لهم.
مقاصد سورة المطففين
تعدُّ أهمُّ مقاصد سورة المطففين هي التهديد والوعيد الذي بدأت به السورة لكل الذين يطفِّفون في الموازين ويتلاعبون بها، فينقِصُون حقوق الناس عند ببعهم ويأكلون ما حرَّم الله.
تشيرُ السورة بلهجة قاسية إلى العذاب والعقاب الذي أعده الله تعالى لأهل الكفر والشرك والمجرمين جميعًا، قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}، وتذكرُ الويلات التي سيلاقونها في ذلك اليوم العسير.
ومن مقاصد سورة المطففين أيضًا أنها تصفُ أحوال الأتقياء المؤمنين الذين سيكون جزاؤهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار في نعيمٍ مقيم عند من لا يضيع عنده مثقال ذرةٍ، قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ}.
في آخر الآيات، تنطوي مقاصد سورة المطففين على المقارنة بين عاقبة كلا الفريقين، فريق الكفار الذين ستكون عاقبتهم الهلاك والخسران لأنهم كانوا يستهزؤون بالمؤمنين ويضحكون منهم، وفريق المؤمنين الذين سيضحكون في النهاية من أولئك المجرمين كما كانوا يضحكون منهم في الحياة الدنيا، قال تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}، وهذا فضل من الله تعالى سيكرِمُ به المؤمنين على صبرهم وإيمانهم في حياتهم الدنيا.
فضل سورة المطففين
إنَّ فضل سورة المطففين من فضل سائر القرآن الكريم، وفضل تلاوتها من سائر فضل تلاوة سور الكتاب، وقد جعلَ الله تعالى لمن يتلو كتابَهُ فضلًا عظيمًا، وقد ورد هذا في قولِهِ سبحانه وتعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ”، ولأن هذه السورة جزء لا يتجزأ من كتاب الله الحكيم فإنَّ فضلها عظيم وتلاوتها عبادة وأجر وثواب من الله تعالى.
ولا شكَّ أنّ الناظر في تفسير هذه السورة العظيمة بتمعنٍّ قليل سيدرك تمامًا أنَّ هذه السورة سنّتْ سنّةً حياتية، حققت العدل وضمنت حقوق الناس، وقد وردت بعض الأحاديث التي تؤكد على أهمية قراءة هذه السورة مثل:
“مَن قَرأ سُورَةَ الْمُطَفِّفِينَ سَقاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحيقِ المختومِ يَوْمَ القِيامَةِ”. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : الزيلعي | المصدر : تخريج الكشاف، الصفحة أو الرقم: 4/173 | خلاصة حكم المحدث : [فيه] سلام بن سليم قال أبو حاتم متروك الحديث ))
ورد عن الصادق عليه السلام “من قرأ في الفريضة ويل للمطففين أعطاه الله الأمن يوم القيامة من النار، ولم يرها، يمر على جسر جهنم، ولا يحاسب يوم القيامة”.
اقرأ أيضًا:
المصادر: