معنى آية وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها
لكلِّ آيةٍ من آيات كتاب الله -سبحانه- مغزى أنزلها الله من أجله؛ لذلك يجب على المسلم تدبّر معاني الآيات، وخاصةً الآيات التي تتحدَّث عن موقفٍ من مواقف يوم القيامة؛ ومن هنا يتعين البحث عن معنى آية وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وما تُشير إليه من فوائد وهدايات.
معنى آية وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها
قال الله تعالى في سورة الأنبياء: {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا}، ويدلُّ ذلك على أن العبيد كلُّهم، يوم القيامة، قد أفضوا إلى الله العظيم وهو العادل في حكمه وميزانه، لا يُضيع عمل ذكرٍ أو أنثى، حسُن ذلك العمل أو ساء، وتُنصب الموازين في ذلك اليوم فربما كان ميزانًا واحدًا لكلِّ عبدٍ له كفَّتان توضع الحسنات في كفة والسيئات في أخرى.
وربما كانت عدة موازين يُوزن في كل ميزان صنفٌ من أصناف أعمال العبد يوم القيامة، وقد ذهب بعضٌ من أهل السَّلف -وهم قتادة والضحاك ومجاهد- أنَّ الميزان هو عدل الله سبحانه وليس ثمَّة ميزان، ولكنَّ المرجح هو القول الأول الذي يقضي بوجود الميزان ولكنَّ الله هو أعلم بهيئته.
وميزان الله لا يضيع أعمال العاملين من عبيده سواء كان ذكرًا أو أنثى وسواءٌ خفَّ ذلك العمل أو ثقل من الحسنات أو السيئات، يقول في ذلك مجاهدٌ أنَّ ما يعمل العبد من السَّيئات أو من الحسنات ما يُعادل مثقال حبَّةٍ من الخردل يُحضره الله ويُوضع في ميزان العبد عند الحساب فياليوم الآخر.
وقال ابن زيد في تأويل معنى آية إن كان مثقال حبةٍ من خردلٍ أتينا بها أي أنَّ أعمال العبد كُلَّها محصيَّةٌ له، وتُوزن في ميزان الله -سبحانه- فالله إن شاء عفا عن عبده وإن شاء أخذه بظلمه لنفسه، وأضاف مجاهد عن معنى أتينا بها أي جازينا بها.
وأمَّا معنى كلمة المثقال فهي الثِّقل أي الوزن فيُقال مثقال الحبَّة أي وزنها ومقدارها، وأمَّا الحبَّة فهي ما يخرج من السنبل وهي الواحدة من ثمر النَّبات، وأمَّا الخردل فهو نوعٌ من أنواع الشَّجر يُطلق عليه اسم شجر الخردل حبوبه صغيرةٌ ودقيقة تُشبه حبَّات السمسم، فحبَّة الخردل هي أخف الأشياء وأصغرها وأحقرها وأقلها وزنًا، ومع ذلك فلو عمل ابن آدم مثقال تلك الحبَّة من الخير أو الشَّرِّ سيوزن في ميزانه يوم القيامة ليُجازيه سبحانه إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.
وقد روي في ذلك أنَّ داود -عليه السَّلام- سأل ربه أن يُريه الميزان فكانت كلُّ كفَّةٍ ما بين المشرق والمغرب، فغُشي على داود مما رأى، فلمَّا أفاق قال لربه: يا ربي من يستطيع أن يملأ كفَّته بالحسنات، فأجابه ربه: يا داود إذا رضيت عن عبدي ملأتها له بتمرة.
وميزان الله هو أدقُّ الموازين وعدله هو العدل المُطلق -سبحانه- ويُذكر في ذلك أنَّ رجلًا قد جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشتكي عَبدين من عَبيده فهما يُكذِبانه ويعصيانه وهو يسبُّهم ويضربهم ويشتمهم، فيسأل -عليه الصلاة والسلام- عن فعله منهم فقال له: “يُحسَبُ ما خانُوك وعَصَوكَ وكذَّبُوك وعِقابُك إيَّاهُم، فإنْ كان عِقابُك إيَّاهُم دُونَ ذُنُوبِهمْ؛ كان فَضْلًا لكَ (عليهِم) وإنْ كان عِقابُك إيَّاهم بقدرِ ذُنوبِهمْ؛ كان كَفَافًا ولا لكَ ولا عليكَ، وإنْ كان عِقابُك إيَّاهُم فَوقَ ذُنُوبِهِمُ اقْتُصَّ لهمْ مِنكَ الفَضلُ الذِي بَقِيَ قِبَلَكَ فجَعلَ الرجلُ يبْكِي بين يَدَيْ رسولِ اللهِ ويَهتِفُ فقال رسولُ اللهِ مالَكَ؟ ما تَقرأُ كتابَ اللهِ “ونَضَعُ الموازِين القِسطَ ليومِ القيامةِ فلا تظلمُ نفسٌ شيئًا وإن كان مثقالَ حبةٍ من خردلِ أتينا بها وكفى بنا حاسِبين”. (( رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3606، صحيح ))
اقرأ أيضا: معنى آية وامتازوا اليوم أيها المجرمون
إعراب آية وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها
الإعراب واحدٌ من العلوم الهامة في تفسير القرآن الكريم، وهو العلم الذي تُعرف به أواخر الكلمات، وبالإعراب يختلف المعنى ويتنبه الباحث بوساطته إن كان في الجملة تقديمٌ أو تأخير، ولا ينعزل عن هذا العلم إلا جاهلٌ بأهميَّته غير متبصِّرٍ بفوائده، وبيان إعراب آية وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها كالتالي:
- وإن: الواو: حرف عطف، وإن: أداة شرط.
- كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتحة الظاهرة على آخره، واسم كان ضمير مستتر تقديره هو.
- مثقال: خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- حبةٍ: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
- من: حرف جر.
- خردل: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بصفة مجرورة من حبة.
- أتينا: فعل ماض، والنا ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
- جملة {أتينا}: جملة جواب الشرط لا محل لها من الإعراب.
- بها: الباء حرف جر، والها ضمير متصل في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل أتينا.
اقرأ أيضا: معنى آية حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت