معنى آية اقترب للناس حسابهم
تحدّثت الكثير من آيات القرآن الكريم عن يوم الحساب وأنذرت باقترابه وحريٌّ بالمؤمن أن يستشعر هذا القرب والدنو من هذا اليوم العظيم فيعمل له، ويبحث المسلمون عن معاني هذه الآيات وفوائد وخاصةً معنى آية اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون الواردة في مستهل سورة الأنبياء.
معنى آية اقترب للناس حسابهم
إنّ معنى آية اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون أنّ الحساب قد أصبح قريبًا حيث سيحاسب الله تعالى عباده على ما قدمّوا من الأعمال في الدنيا ولكنّهم لاهون عن ذلك وغافلون عنه، ومعرضون عن هذه الذكرى وهذا الإنذار.
وبالنسبة لشرح مفردات الآية الكريمة، فكلمة “اقترب” فعل من الاقتراب وهو الدنو والقرب، أما كلمة الناس فهي اسم للجمع من بني آدم، والمفرد إنسان، والضمير “هم” في الآية ضمير رفع منفصل لجمع المذكر الغائب، بينما حرف الجر “في” يفيد الظرفية الحقيقة أو المجازية وقد يكون زائدًا للتوكيد، وكلمة غفلة تُجمع على غفلات والمعنى غياب الشيء عن بال الإنسان ونسيانه له وعد تذكّره إيّاه، أما كلمة “معرضون” من الإعراض وهو الصدود.
وفي معنى هذه الآية يقول ابن كثير أنّ المراد هو تنبيه الله تعالى على قرب يوم القيامة ودنو الساعة ولكنّ الناس ما زالوا في غفلةٍ عنها فلا يعملون ليوم الحساب ولا يستعدّون لذلك، وفي هذا يقول الإمام القرطبي أنّ المراد أنّهم غافلون معرضون في الدنيا عن الآخرة وربما يكون المعنى أنّهم غافلون عن الاستعداد ليوم الحساب.
وفي تفسير الناس أقوال، فقال ابن كثير أنّ الخطاب موجّه لكفّار قريش ومن في مثل حالهم، كما نقل القرطبي هذا القول عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وذكر أنّ الدليل هو الآيات التالية لهذه الآية المتضمنّة للخطاب، ونقل قولًا آخر وهو أنّ المقصود بالناس أي جميع الناس وإن كانت الآية تُشير إلى كفار مكة.
قال الضحّاك في تفسير اقتراب الحساب بأنّ المراد اقتراب العذاب لكفار مكة لأنّهم استبطئوا الوعد الربّاني وهو عقاب الله وجزاؤه وكذبّوا بذلك فكان قتلهم في يوم بدر، فهذه الآية هي تذكير للخلق بأنّ الجزاء آتٍ لا محالة فلا بدّ للإنسان أن يعمل لذلك ويقلل من أمله بالدنيا فهي إلى زوال والعمل للآخرة والحرص على أمرها أولى من الانشغال بالدنيا وملذاتها الفانية.
ومن المفسرين الذين قاموا بتفسير ألفاظ قوله تعالى: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلةٍ معرضون، الواحدي حيث قال بأنّ الناس هم أهل مكة، وحسابهم أي وقت محاسبة الله لهم يعني يوم القيامة، وهم في غفلةٍ عن التأهب والاستعداد لذلك اليوم، ومصريّن على الإعراض عن الإيمان وتوحيد الخالق جلّ وعلا.
كما ذكر البغوي في تفسيره المسمّى معالم التنزيل، أنّ اللام في قوله اقترب للناس هي بمعنى أنه اقترب من الناس حسابهم وهو وقت المحاسبة على الأعمال، وهو يوم القيامة وأنّ هذه الآية نزلت في منكري البعث المعرضين عن التأهب لذلك اليوم غير المصدقيّن بوقوعه.
ومن القصص المرتبطة بنزول هذه الآية الكريمة ما روي عن رجلٍ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، “كان يبني جدارًا فمرّ به آخر في يوم نزول هذه السورة، فقال الذي كان يبني الجدار: ماذا نزل اليوم من القرآن؟ فقال الآخر: نزل {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون}، فنفض يده من البنيان، وقال: والله لا بنيت أبدا وقد اقترب الحساب”.
وعليه، فأخذ العبرة من القرآن الكريم والعمل بمقتضاه هو من الأوامر الشرعية الواجبة على أهل الدين والإيمان فكل ما في القرآن خيرٌ للإنسان بالدنيا وسعادةٌ له بالآخرة والغفلة عن يوم البعث والحساب تُلقي بصاحبها إلى العذاب والندامة والحسرة فالمؤمن مُطالب بأن يعمل للآخرة مع عدم نسيان نصيبه من الدنيا وأنّ الله تعالى قد استخلفه على هذه الأرض لإعمارها بذكر الله وطاعته.
اقرأ أيضا: معنى قوله تعالى زلزلت الأرض
فوائد آية اقترب للناس حسابهم
تتمثّل فوائد آية اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون فيما يأتي:
- يُذّكر الله سبحانه الخلق باقتراب الحساب والجزاء كي يتلافوا ذنوبهم ويتحرّزوا من المعاصي والآثام، فالمنهج القرآني واضح بأنّ من آمن بالله وعمل خيرًا فمصيره لخير ومن لم يؤمن فليس له حظ من مغفرته سبحانه.
- تدعو الآية الكريمة إلى التوبة والاستغفار واليقين باقتراب الأجل والحساب فمهما طال عمر ابن آدم سيموت لا محال ومن علِم اقتراب الأجل أحسن العمل.
- يدلّ التعبير بقوله “اقترب” على أنّ ما بقي هو قريب بالنسبة لما مضى، وأنّه آتٍ مهمّا طالت المدّة، كما أنّه قريب بالنسبة لله تعالى؛ حيث قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا}.
- لم يتم تعيين الوقت الذي ستقع فيه الساعة وتقوم القيامة لأنّ الكتمان أصلح للعباد من الإظهار والإعلام.
- سمّى الله -عزّ وجلّ- يوم القيامة في هذه الآية بيوم الحساب لأنّ الحساب هو الكاشف عن حال الناس في اليوم الآخر والخوف في ذكر الحساب آت لا محال.
اقرأ أيضا: معنى آية وأبصر فسوف يبصرون