هل يجوز حج المرأة بلا محرم
يجب على المرأة المسلمة الحج إذا كانت بالغة وصحيحة العقل والجسم ولديها المال الكافي لنفقات حجها؛ فالمرأة والرجل سواء في فريضة الحج التي تجب على المسلم العاقل البالغ الحر المستطيع، ولكن من الأسئلة التي يكثر طرحها من النساء سؤال هل يجوز حج المرأة بلا محرم أم لا؟
هل يجوز حج المرأة بلا محرم
قبل الإجابة عن سؤال هل يجوز حج المرأة بلا محرم أم لا، تجدر الإشارة إلى أن الأصل المقرر في شريعة الإسلام ألا تسافر المرأة وحدها، بل يجب أن تكون في صحبة زوجها، أو ذى محرم لها، ومستند هذا الحكم ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ، ولَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلَّا ومعهَا مَحْرَمٌ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أنْ أخْرُجَ في جَيْشِ كَذَا وكَذَا، وامْرَأَتي تُرِيدُ الحَجَّ، فَقالَ: اخْرُجْ معهَا. (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1862 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وعن أبي هريرة مرفوعا: “لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ أنْ تُسافِرَ مَسِيرَةَ يَومٍ ولَيْلَةٍ ليسَ معها حُرْمَةٌ” (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1088 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) وعن ابن عمر: “لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ، تُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إلَّا وَمعهَا ذُو مَحْرَمٍ“. (( الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1338 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
والظاهر أن اختلاف الروايات لاختلاف السائلين وسؤالهم، فخرجت جوابا لهم، غير أن أبا حنيفة رجح حديث ابن عمر الأخير، ورأى أن لا يعتبر المحرم إلا في مسافة القصر. وهذه الأحاديث تشمل كل سفر، سواء كان واجبا كالسفر لحج أو تجارة أو طلب علم أو نحو ذلك.
وليس أساس هذا الحكم سوء الظن بالمرأة وأخلاقها، كما يتوهم بعض الناس، ولكنه احتياط لسمعتها وكرامتها، وحماية لها من طمع الذين في قلوبهم مرض، ومن عدوان المعتدين من ذئاب الأعراض، وقطاع الطرقات، وخاصة في بيئة لا يخلو المسافر فيها من اجتياز صحار مهلكة، في زمن لم يسد فيه الأمان، ولم ينتشر العمران.
ولكن إذا لم تجد المرأة محرما يصحبها في سفر مشروع وكان معها بعض الرجال المأمونين، أو النساء الثقات، أو كان الطريق آمنا، فقد بحث العلماء هذه المسألة، واختلفت آرائهم على هذا النحو:
- تمسك بعض العلماء بظاهر الأحاديث المذكورة، فمنع سفرها بغير المحرم، ولو كان لفريضة الحج، ولم يستثن من هذا الحكم صورة من الصور.
- استثنى بعض العلماء المرأة العجوز التي لا تشتهي، كما نقل عن القاضي أبي الوليد الياجي، من المالكية، وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، كما قال ابن دقيق العيد، يعني مع مراعاة الأمر الأغلب.
- كما استثنى البعض الآخر من ذلك ما إذا كانت المرأة مع نسوة ثقات. بل اكتفى بعضهم بحرة مسلمة ثقة.
- اكتفى بعض العلماء بأمن الطريق. وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
اقرأ أيضا: ما هي شروط الحج للمرأة في الإسلام
الأدلة على جواز سفر المرأة للحج من غير محرم
الدليل على جواز سفر المرأة للحج أو لغيره من غير محرم عند الأمن ووجود الثقات ما ورد عَنْ سيدنا عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: “يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ؟!” قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: “فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللهَ”. (( الراوي : عدي بن حاتم الطائي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3595 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وروى الإمام البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن، فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك. وهذا يعتبر إجماعا.
تجدر الإشارة هنا إلى قاعدتين جليلتين:
- أولا: أن الأصل في أحكام العبادات والمعاملات هو الالتفات إلى المعاني والمقاصد بخلاف أحكام العبادات، فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد. كما قرر ذلك الإمام الشاطبي ووضحه واستدل له.
- ثانيا: إن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة. ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدا للذريعة.
كما يجب أن نضيف أن السفر في عصرنا، لم يعد كالسفر في الأزمنة الماضية، محفوفا بالمخاطر لما فيه من اجتياز الفلوات، والتعرض للصوص وقطاع الطرق وغيرهم، بل أصبح السفر بوساطة أدوات نقل تجمع العدد الكثير من الناس في العادة، كالبواخر والطائرات، والسيارات الكبيرة، أو الصغيرة التي تخرج في قوافل. وهذا يجعل الثقة موفورة، ويطرد من الأنفس الخوف على المرأة، لأنها لن تكون وحدها في موطن من المواطن، ولهذا لا حرج أن تحج مع توافر هذا الجو الذي يوحى بكل اطمئنان وأمان.
اقرأ أيضا: من هو المحرم في الحج