مقاصد سورة القلم
نزلت سورة القلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة قبل الهجرة، وهي في الحزب السابع والخمسين وفي الجزء التاسع والعشرين الذي يُطلق عليه جزء تبارك، عدد آيات السورة اثنتان وخمسون آية، وتتعدد مقاصد سورة القلم وما تشتمل عليه من موضوعات ولطائف قرآنية.
مقاصد سورة القلم
تعنى مقاصد سورة القلم بأصول العقيدة والإيمان وقد تناولت ثلاثة مواضيع أساسية: موضوع الرسالة والشبه التي أثارها كفار مكة حول دعوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وقصة أصحاب الجنة لبيان نتيجة الكفر بنعم الله، وموضوع الاخرة وأهوالها وشدائدها وما أعد الله للفريقين : المسلمين والمجرمين فيها، ولكن المحور الذي تدور حوله السورة هو إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
جاءت مقاصد سورة القلم التفصيلية على النحو التالي:
- يعتبر الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبرئته من جميع التهم الباطلة التي وجهها إليه الكافرون من أهم مقاصد سورة القلم، وهذا ما بدأت به ايات السورة وأعلنه الله تعالى في قوله: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون * وإن لك لأجرا غير ممنون * وإنك لعلىٰ خلق عظيم * فستبصر ويبصرون}.
- بدأت السورة بالقسم بالقلم، دلالة على اهتمام الإسلام بالعلم الذي يعد القلم مصدرا له، وتعد أول كلمة نزلت على الرسول -عليه الصلاة والسلام- كلمة “اقرأ” في سورة العلق؛ للأمر بالقراءة، ثم الإشادة بالقلم كوسيلة لنقل العلوم في سورة القلم.
- تحدثت سورة القلم عن عذاب الله تعالى لمانعي الزكاة وهددت المجرمين والكاذبين، كما دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى التحلي بالصبر دائما وأشارت إلى نبي الله يونس في تسرعه وفقدان صبره.
- ومن مقاصد سورة القلم الإشارة إلى إعراض الكافرين والمشركين عن دعوة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- رغبة منهم في الوصول إلى اتفاق بينهم يصلون فيه إلى أمر يجمعهم ويمحو خلافات العقيدة التي كانت موجودة بينه.
- تستعرض سورة القلم ملامح بيئة العرب في تلك الفترة التي ظهرت فيها الدعوة الإسلامية، وكيف كانت ردود القوم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تدل على سذاجة وضعف وإفلاس مخالفيه، ومن المقاصد الأخرى التي اختتمت بها سورة القلم أنه على الداعي أن يُكمل في طريق دعوته ولا يتأثر سلبا بما يواجهه من انتقادات.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة القلم
موضوعات ومضامين سورة القلم
ابتدأت السورة الكريمة بالقسم على رفعة قدر الرسول صلى الله عليه وسلم وشرفه وبراءته مما ادعاه عليه المشركون من اتهامه بالجنون. إذ يقسم الله تعالى بالقلم، الدّال على العلم وما يسطرون به من أنواع الكلام، على براءة نبيّه صلى الله عليه وسلم مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون، فنفى عنه الجنون، بل هو يستحق الأجر والتقدير على النعمة التي جاءهم بها من ربّه، وهي نشر العلم والأخلاق العظيمة.
تناولت الآيات من 5 إلى 16 موقف المجرمين من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعد الله لهم من العذاب والنكال في دار الجحيم، وفيها بيان سوء أخلاق المكذبين لمقارنتها مع أخلاق الرسول والقرآن.
ضربت الآيات من 7 إلى 33 مثلا لكفار مكة في كفرانهم ببعثة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم إليهم، وتكذيبهم به، بقصة أصحاب الجنة ذات الأشجار والزروع والثمار، حيث جحدوا نعمة الله، ومنعوا حقوق الفقراء والمساكين، فأحرق الله حديقتهم وجعل قصتهم عبرة للمعتبرين.
يخبر الله سبحانه وتعالى من الآية 34 إلى الآية 41 بأن لهذا الابتلاء الذي يتعرضه له الملسمون عاقبة، فليس من المعقول أن يجعل {المسلمين كالمجرمين (35)}، فإمّا جنات النعيم أو العذاب الأليم، فإن كان عند المجرمين كتاب غير هذا فليأتوا به، وليخبرونا عن زعيمهم هذا الذي جاء بهذه الدّعوى الفاسدة، ومعلوم أن جميع ادعائاتهم غير صادقة.
تتحدث الآيات من 42 إلى 45 عن القيامة وأحوالها وأهوالها، وموقف المجرمين في ذلك اليوم العصيب، الذي يكلفون فيه بالسجود لرب العالمين فلا يقدرون. فهي إنذار لهم لعلهم يهتدوا، قبل أن يقعوا في العقاب الشديد (في الدنيا وفي الآخرة) ويندموا يوم لا ينفع الندم؛ وإنذار بأن الله يستدرجهم ويبتليهم بالأموال والأولاد من حيث لا يعلمون، وليرى ما هم فاعلون.
تتوجه الآيتان 46 و47 بسؤالين آخرين إلى الرسول، نعلم منهما أنه لا علاقة لرسول صلى الله عليه وسلم بكفرهم أو إيمانهم: أم تسألهم أجراً مقابل دعوتك لهم إلى الإسلام؟ أم عندهم الغيب، فهم يكتبون عنه ما يحكمون به لأنفسهم؟
خُتمت السورة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين، وألا يستعجل كما فعل النبي يونس عليه الصلاة والسلام، فإن الله موصل ذكره للعالمين، وأن أقصى ما يستطيعه المكذبين هو الحسد والغيظ والاتهامات الباطلة لك بالجنون.
اقرأ أيضا: تفسير سورة القلم للأطفال
لطائف سورة القلم
تمتاز سورة القلم بالعديد من اللطائف القرآنية ومن ذلك مناسبتها لما قبلها، فلما ذكر سبحانه في آخر تبارك التهديد بتغوير الماء استظهر عليه في هذه السورة بإذهاب ثمر أصحاب البستان في ليلة يطاف عليه فيها وهم نائمون فأصبحوا لم يجدوا له أثراً حتى ظنوا أنهم ضلوا الطريق وإذا كان هذا في الثمار وهي أجرام كثيفة فالماء الذي هو لطيف رقيق أقرب إلى الإذهاب ولهذا قال: {وَهُم نائمون (19) فأَصبحت كالصريم (20)} القلم، وقال هناك: {إِن أَصبحَ ماؤكُم غوراً (30)} الملك، إشارة إلى أنه يسرى عليه في ليلة كما سرى على الثمرة في ليلة.
اقرأ أيضا: فضل سورة القلم