مقاصد سورة الحشر
اسم سورة الحشر هو أحد أسماء يوم القيامة، وقد سُميت بهذا الاسم لأن الله الذي حشر اليهود وجمعهم خارج المدينة، كما تؤكد السورة على أنه تعالى هو الذي يحشر الناس ويجمعهم يوم القيامة للحساب. كما تشير السورة إلى أن الكفار حُشروا وعُذبوا في الدنيا قبل الحشر النهائي والعذاب المقيم في النار، وقد نزلت هذه السورة بالمدينة المنورة وتظهر لنا مواقف مختلفة من الانتماء لدين الله تعالى؛ لذا تعظم مقاصد سورة الحشر وما تتضمنه من لطائف وهدايات قرآنية.
مقاصد سورة الحشر
بالتأمل في اسم السورة وافتتاحيتها وخاتمتها، وآياتها وموضوعاتها يظهر أن مقصدها هو بيان قدرة الله وقوته في توهين الكافرين والمنافقين وإظهار خزيهم وتفرقهم، في مقابل تعظيم شأن المؤمنين وإظهار ترابطهم وتناصرهم، تقوية لقلوب المؤمنين وتوهيناً للكافرين والمنافقين.
فهي تقوي في قلب المؤمن – حين يقرؤها بتدبر – الإيمان بالله تعالى واليقين به والثقة بقدرته في توهين كيد الكافرين والمنافقين، وتُطِلعه على أسرار تأييد الله للمؤمنين، وأنه تعالى معهم حين يكون شأنهم كالمهاجرين والأنصار في نصرة دينه والصدق مع الله، والترابط والمحبة فيما بينهم وصفاء قلوبهم من الغل والحسد.
وما أعظم مناسبتها في هذا الوقت الذي نعيشه وتعيشه الأمة في محنتها مع اليهود، إذ فيها بعث لليقين والثقة بالله وموعوده في توهين كيد اليهود والمنافقين، وإظهار شأن المؤمنين الصادقين المتناصرين، ويبرز هذا المقصد في السورة من وجوه :
- افتتاحية السورة واختتامها بالتسبيح والتعظيم لله تعالى وإظهار عزته وحكمته في تصريف الأمور، وتأمل كيف ختمت الآية الأولى والأخيرة بقوله وهو العزيز الحكيم إشارة للغرض الذي بنيت عليه السورة ولذلك جاءت الآية الثانية مباشرة في بيان صورة من قدرته في قوله هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم.
- ذكر حال اليهود وأنصارهم المنافقين : فذكر أولاً حادثة يهود بني النظير وما كان من شأنهم في توهين أمرهم وخزيهم في قوله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وقوله وليخزي الفاسقين. وذكر أيضاً حال قوم سابقين من اليهود وهم بنو قينقاع في قوله كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم، وذكر أيضاً قبل ذلك بيان حال المنافقين المناصرين لليهود وبيان جبنهم لئن أخرجتم لا يخرجون معكم ولئن قوتلتم لاينصرونكم ولئن نصروكم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون.
- استعراض حال المهاجرين والأنصار ومن بعدهم، وبيان عظم شأنهم في نصرة الدين وصدقهم وقوة ترابطهم، مقابل ذكر حال اليهود وأنصارهم المنافقين. في قوله للفقراء المهاجرين… والذين تبؤوا الدار والإيمان والذين جاؤا من بعدهم…، إشارة لأسباب تأييد الله لهم وتحفيزاً للمؤمنين في الاقتداء بهم.
- تذكير المؤمنين ووعظهم باليوم الآخر، تحذيراً من الغفلة ومشابهة أهل الكتاب والمنافقين الذين نسو الله فأنساهم أنفسهم.
- إبراز الفرق بين الفريقين، فلايستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة وهي كالنتيجة للفريقين، ولذلك قال في ختامها أصحاب الجنة هم الفائزون.
- التأكيد على عظمة القرآن في كونه سبباً لتصدع الجبال من خشية الله، وهو إشعار للمؤمنين والكافرين بأن هذا القرآن الذي بين لهم قدرة الله تعالى وأظهر عاقبة الفريقين حري بأن يكون موقظاً لهم ومحركاً لقلوبهم.
- ختام السورة بأسماء الله تعالى، التي تضاعف قوة الإيمان بالله في النفوس وتوثق اليقين به تعالى. وهو المقصود من السورة. والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الحشر
لطائف سورة الحشر
ترتبط بداية سورة الحشر مع نهايتها برابطٍ يقوم على تسبيح الله سبحانهُ وتعالى الكامل المنزّه عن كل نقص، فبداية السورة تبدأ بنسبة تسبيح الله سبحانه وتعالى إلى جميع المخلوقات في السموات والأرض، وأنّه سبحانه وتعالى هو العزيز الحكيم ذو القوة والمنعة والجبروت والحكمة.
امتازت سورة الحشر بأنها مناسبة لما قبلها، فلما نزل آخر سورة المجادلة فيمن قتل أقرباؤه من الصحابة يوم بدر {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله…(22)}. وأول الحشر نازل في غزوة بني النضير وهي عقبها وذلك نوع من المناسبة والربط. وفي آخر المجادلة: {كتب اللَه لأَغلبن أَنا ورسُلي (21)} وفي أول الحشر: {فأَتاهم اللَهُ مِن حيثُ لم يحتسبوا وقذفَ في قلوبهم الرعب (2)}. وفي آخر المجادلة ذكر من حاد اللَه ورسوله وفي أَول هذه ذكر من شاق اللَه ورسوله.
اشتملت سورة الحشر على اللطائف البيانية ومن ذلك قوله تعالى: {لئنْ أُخرجتم لَنَخْرجن مَعَكم ولا نُطيعُ فيكمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لننصرنكمْ}، في هذه الآية الكريمة وعدان من المنافقين ليهود بني النّضير وهما:
- قوله تعالى على لسان المنافقين: {لئنْ أُخرجتم لَنَخْرجن مَعَكم}، خروجهم معهم إذا أخرجهم المسلمون من ديارهم، وقد أقسموا على ذلك من خلال اللام الموطئة للقسم، فهذه اللّام دلالة على قسمهم لهم بخروجهم معهم إذا أخرجوا من ديارهم.
- قوله تعالى على لسان المنافقين: {وَإِن قُوتِلْتُمْ لننصرنكمْ}، فهنا لا وجود للام الموطئة للقسم، فلم يقولوا: لئن قوتلتم لنقاتلن معكم، فكان حديثهم عن الخروج والهروب من الموت أكد من حديثهم عن الوقوف معهم في حربهم وقتالهم ضد المسلمين، ففي الهروب من الموت هم جاهزون وأقسموا على ذلك، بينما في حديثهم عن مشاركتهم ونصرهم لهم في قتالهم، مرّوا عليه مرورًا عاديًا دون قسم أو تأكيد مشاركتهم.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الزمر