سيرة حياة مجاهد بن جبر
سيرة حياة مجاهد بن جبر
ولد التّابعيّ مجاهد بن جبر في زمن خلافة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، في عام 21 للهجرة. كان مولى لقبيلة مخزوم، أي أنّه كان من عائلة عبيد قبل الإسلام، وليس من المرجّح من هو سيّده، إمّا أنّه عبد الله بن السّائب، أو والده قيس بن السّائب.
كان مجاهد عالماً رفيع المستوى، ومجاهدًا في صفوف الجيش الإسلاميّ، وتذكر المراجع أنّه سافر واستقرّ في مصر، ودرّس العديد من العلماء هناك، وارتحل إلى الكوفة، واستقر فيها أيضًا، واعتُبِرَ أحد علمائها.
كان مجاهد يحظى باحترام كبير حتّى من قِبل كبار العلماء في عصره، ويقول مجاهد: رافقت عبد الله بن عمر في محاولة منّي لخدمته، لكنّه هو الذي كان يخدمني. وغني عن القول أنّ عبد الله بن عمر، وهو صحابيٌّ وعالم كبير بين صحابة النّبي عليه الصّلاة والسّلام، ولم يكن ليخدم أيّ شخص، سوى أنّه عالم مثله.
صفاته
كن مجاهد صاحب قيم أسلاميّة رفيعة، ومتواضعًا في مظهره، وعندما يتحدّث يكسب اهتمام من حوله سريعًا، يقول لأعمش حول هذا: إنّ مجاهد عالمٌ من ذوي الكفاءة، وعندما تنظر إليه، يُخيّل إليك أنّه مثل حامل الأمتعة الذي فقد حماره، ووجد نفسه في حيرة، ولكن عندما يتكلّم، فإنّ كلماته مثل اللّؤلؤ.
قراءة القرآن الكريم
كان مجاهد إمامًا، وشيخًا في تلاوة القرآن الكريم، وكان أحد القرّاء الرّائعين الذين تجلب تلاوتهم المزيد من الطّلّاب إليهم، ومن بين تلاميذه: عبد الله بن كثير، وأبو عمرو بن العلاء، وهم أحد أصحاب القراءات السّبعة، التي ينبغي اتّباع أساليب تلاوتهم؛ لأنّها صحيحة ومقبولة. تعلّم مجاهد تلاوة القرآن الكريم على يد حَبرِ الأمّة عبد الله بن عبّاس، ابن عمّ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، الذّي علّمه الصّحابيّ أبيّ بن كعب، رضي الله عنهم.
رواية الحديث
في الحديث، كان مجاهد عالمًا موثوقًا للغاية، حيث روى عددًا كبيرًا من الأحاديث عن صحابة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، مثل علي بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، وسعد بن أبو وقاص، وعائشة بنت أبي بكر، وأبو سعيد الخضريّ وجابر، رضي الله عنهم. يُعتبر مجاهد أحد الرّواة الذين اعتمد عليهم العلماء الرّئيسيّين الذين أنتجوا مجموعات أصليّة من الأحاديث.
علمه في الفقه
في الفقه، يُعتبر مجاهد باحثًا في الحكم والتّقدير المستقلّ؛ وهذا أعلى منصب يعطى لأيّ عالم. تَرِدُ معظم آراءه الفقهيّة في تفسيره للقرآن الكريم، كما أنّ آراءه تتطرّق إلى ما عُرف لاحقًا باسم أصول الفقه، أو المبادئ الأساسيّة في منهجيّة الفقه، ولكنّ الرّائد في هذا هو الإمام الشّافعيّ، الذي صاغ هذا العلم في شكله النّهائيّ.
يعبِّر مجاهد عن وجهات نظره المستقلة حول بعض المسائل الفقهيّة، مثل وجهة نظره التي يشترك معه فيها جميع العلماء، بأنّ عيسى عليه السّلام كان على قيد الحياة عندما رفعه الله إلى السّماء.
وله اعتقاد أنّ آية: “وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ” سورة الزّخرف 61، هي إشارة إلى نزول عيسى عليه السّلام إلى الأرض، وله آراء فقهيّة حول عدم إمكانيّة رؤية الله عزّ وجلّ يوم القيامة، ويختلف في هذا الاعتقاد مع الإمامين مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، اللّذان يعتقدان أنّ رؤية الله تبارك وتعالى، هي أعظم جائزة للمؤمنين يوم القيامة.
التّفسير
جميع تعليقات مجاهد معتمدة وأساسها دينيّ، لأنّه تعلّم القرآن الكريم من مصدر عالٍ وهو عبد الله بن عبّاس، الذي دعا له الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: اللهم أعطه بصيرة في الدّين وعلّمه كيف يفسِّر القرآن. يُقال أنّ ابن مجاهد قرأ القرآن الكريم أكثر من عشرين مرّة، بما في ذلك ثلاث مرّات قرأها أمام ابن عبّاس، وبعد قراءة كلِّ آية، كان يتوقّف ويسأله عن تفسيرها.
لذلك كان مجاهد أحد أهمّ المصادر للمفسّرين اللّاحقين للقرآن الكريم، وأشهر من نقلوا عنه: ابن جرير الطّبريّ، الذي أورد في تفسيره أكثر من سبعمئة رأي لمجاهد.
كان الصّحابة رضوان الله عليهم، يقدّمون تفسيرًا لعدد قليل من الآيات، واتّبع ابن عبّاس الخطوط نفسها، موضّحًا المعاني اللّغويّة في الآيات، مع بعض الإشارات إلى الأحكام الفقهيّة التي يُمكن استنتاجها.
لكنّ مجاهد قدّم المزيد من المساهمات، وفسّر عددًا كبيرًا من الآيات القرآنيّة، وسلّط الضّوء على عدد أكبر بكثير من الأحكام القانونيّة، ونقل من قصص المسيحيّين لشرح تفسير الآيات، ممّا سمح بنقله الرّسول عليه الصّلاة والسّلام.
قدّمت تفسيرات مجاهد البذور الأولى للمذاهب الفقهيّة، واعتمد الشّافعيّ عليه اعتمادًا كبيرًا، وقام المعتزلة أيضًا بتطوير بعض أفكاره.
وفاته
توفّي مجاهد بينما كان ساجدًا في صلاته، في مكّة المكرّمة، في عام 104 للهجرة، عندما كان عمره أكثر من ثمانين سنة، رحمه الله.
المراجع
http://www.arabnews.com/node/215991