سيرة حياة عبد الله بن المبارك

سيرة حياة عبد الله بن المبارك

اسمه

عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظليّ التّميميّ. لديه العديد من الألقاب، مثل الحافظ، وشيخ الإسلام، وفخر المجاهدين، وزعيم الزّهّاد، وكان يُشتهر بابن مُبارك، كان والده تركيًّا وأمّه من خوارزم، ولد في عام 118 للهجرة.

أمضى ابن مبارك حياته في التّجارة والجهاد وأداء الحجّ، وكان يُعرف باسم “السّفّار”؛ أي الذي يسافر أغلب أوقاته.

حياته

ولد عبد الله بن المبارك في بلدة مرو، في تركمنستان الآن. درس في طفولته الموادّ الأساسيّة مثل الكتابة والحساب، وعاش حياة فارهة، مليئة بالملذّات، إلى أن اتّخذت حياته منحًى غير اعتياديّ في ليلة واحدة، بعد أن غلبه النّوم رأى في منامه أنّ طائرًا يقف على غصن شجرة يقرأ الآية الكريمة:

“أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ” سورة الحديد (16).

كانت الرّسالة التي حَمَلتها هذه الآية مهيبة وعميقة في نفس عبد الله بن المبارك، وجعلته يتخلّص من رفاهية حياته الحاليّة، ويبحث عن النّعيم الأبديّ، وكانت هذه أوّل خطوة نحو الزّهد.

سافر عبد الله بن المبارك كثيرًا في طلب العلم، وخاصّة لطلب علم الحديث الشّريف، وقال عنه الرّاوية أبو أسامة: لم أرَ شخصًا يبحث عن الحديث في أنحاء العالم مثل عبد الله بن المبارك.

أصبح عبد الله بن مبارك عالمًا على مسوًى رفيع في الحديث الشّريف، وساعده على هذا ذاكرته القويّة، وطبيعته السّليمة، وكانت هذه الأمور مهمّة ليكون مدوّنًا للحديث الشّريف.

صفاته

كان عبد الله بن مبارك ذكيًّا وحذرًا في رواية ​​الحديث الشّريف، وجديرًا بالثّقة، وعالمًا حقيقيًّا في الحديث. روى عنه الكثير من مؤلّفي كتب الحديث الشّريف مثل البخاري، وهذا دليل قويّ على أنّ روايته غير مشكوك فيها.

لقد كان عبد الله بن مبارك دعامة ثابتة في تأسيس علم تدوين الحديث الشّريف، وكانت شروطه دقيقة وحذرة جدًّا؛ لضمان صحّة رواية وتدوين الحديث، وقال عبارة مشهورة عن ذلك: إنّ الإسناد جزء من الدّين، والإسناد معناه سلسلة الرّواة، وإن لم يكن هناك إسناد، لقال الجميع ما أرادوا.

كان عبد الله بن المبارك، سيّدًا في مجال الفقه، ودرس على يد أعظم الفقهاء في عصره، مثل الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، وسفيان الثّوريّ. ومن صفات عبد الله بن المبارك الإضافيّة، أنّه كان كاتبًا غزير الإنتاج، يقول عنه الإمام الذّهبيّ أنّ كُتُبه تشمل أربعين كتابًا، ولكن لم تُنشر جميع أعماله المكتوبة.

واحدة من أعظم صفاته هي الزّهد، والرّغبة في الحياة الآخرة، على الرّغم من أنّ دخله السّنويّ كان يتجاوز ألف دينار، كان يُنفقها في سبيل الله، ورحلات الحجّ، وكان ينفق كثيرًا على معارفه وأصدقائه المسافرين معه في رحلاته، وكان يسافر صائمًا باستمرار.

شيوخه

بسبب أسفار ابن المبارك، كان لديه العديد من الشّيوخ والمعلّمين، من بينهم: سليمان التّميميّ، وربيع بن أنس، وإسماعيل بن أبي خالد، وعاصم الأحول، والجريري، وكان يأخذ العلم ممّن يصغرهُ سنًّا أيضًا، وأقلّ منه في مستوى معرفتهم.

طلّابه

لم يكن تلاميذ عبد الله بن المبارك معدودين، لأنّهم في بلدان مختلفة، وحيث ما رحل كان يُعلّم النّاس ويتعلّمُ منهم، من طلّابه الكبار: عبد الرّحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي صعيبة، وأحمد بن منيع، وأحمد بن جميل، والحسن المرزوقيّ، وحسّان بن عرفة، وغيرهم من العلماء.

رأي العلماء به

  • قال عنه ابن المهدي: هناك أربعة زعماء من شيوخ الدّين: مالك بن أنس، وسفيان الثّوريّ، وحمّاد بن زيد، وابن المبارك، وعدّه ابن المهدي أعلى رُتبة من الثّوريّ.
  • قال أحمد بن حنبل: لم يكن أحد أكثر اجتهادًا في البحث عن المعرفة في عصره، من ابن المبارك.
  • قال عبّاس بن مصعب: جمع عبد الله بن المبارك في داخله معرفة الحديث، والفقه، واللّغة العربيّة، والتّاريخ، والشّجاعة، والكرم، وحبّه لدى كلّ طبقات المجتمع.
  • قال الحسن بن عيسى: تجمّع طُلّاب ابن المبارك وقالوا: دعونا نتذكّر الأمور التي تفوّق بها ابن المبارك، وذكروا فيه: معرفة الفقه، وأدبه، ومعرفة اللّغة والقواعد، والزّهد، والشّعر، والطّلاقة في الكلام، وقيام اللّيل، والاجتهاد في العبادة، والحجّ، ومهارته في الحرب، وإتقان ركوب الخيل، والصّمت عن الأمور التّافهة، والعدالة، وقلّة خلافه مع النّاس حوله.
  • قال عنه ابن مُعين: كان عالمًا موثوقًا به، ولديه ذاكرة قويّة، ويحتوي كتابه على عشرين ألف حديث.
  • قال يحيى بن آدم: إذا حاولت العثور على تفصيل في مسألة معيّنة، ولم أجدها في كُتُب ابن المُبارك، فعندئذٍ سأكون في حاجة ماسّة للعثور عليها.

وفاته

توفّي عبد الله ابن المبارك رحمه الله، في رمضان من عام 181 من الهجرة، في بيته بعد عودته من معركة ضدّ الرّومان، في منطقة هيت في العراق.

المراجع

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *