صيام شهرين متتابعين

قد تأتي عدّة الشهر القمريّ ثلاثين يوماً، أو تسعة وعشرين يوماً، والصائم الذي كفّارته صيام شهرين متتابعين إن صام من بداية الشهر عليه أنْ يُتمّه كما هو، أمّا إن بدأ بالصيام من غير بداية الشهر، كأن يصوم من منتصفه، أو أقلّ من ذلك، أو بعدئذٍ، فيجب عليه أن يصوم ما بقي من الشهر ويصوم الشهر الذي بعده بحسب رؤيته للهلال، ثُمّ يتمّ ما تبقّى له من صيام الشهر الأوّل إلى الثلاثين.

صيام شهرين متتابعين

صيام شهرين متتابعينأجمع الفقهاء على وجوب التتابع في صيام الكفّارات المُوجِبة لذلك؛ لقوله -تعالى-: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ)، كما ورد الدليل في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: (قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ هلَكْتُ قال: ويحَكَ وما ذاك؟ قال: وقَعْتُ على امرأتي في يومٍ مِن شهرِ رمضانَ قال: أعتِقْ رقبةً قال: ما أجِدُ قال: فصُمْ شهرينِ مُتتابعينِ).

والتتابع في الصيام هو صيام شهرين كاملين مُتتابعين دون الإفطار فيهما، ويكون الصيام عن الكفّارة المُقرَّرة شرعاً فقط، وفي مسألة اشتراط النيّة في التتابُع ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ المرء لا يحتاج إلى نيّة، ويُكتفى عنها بالفعل؛ لأنّ التتابُع شرط في العبادة، والشرط لا يحتاج إلى نيّة.

وقد خالف المالكية رأيَ الجمهور؛ فقالوا: لا بدّ من نيّة تتابُع الصيام، والنية في نوع الكفّارة الذي يريد المسلم الصيام لأجلها.

اقرأ أيضا: مبطلات الصيام للمتزوجين

الحالات التي يجب فيها صيام شهرين متتابعين

يكون صيام شهرين متتابعين كفّارةً في الحالات الآتية:

القتل الخطأ

قسّم بعض أهل العلم القتل الخطأ إلى قسمين، بيانهما فيما يأتي:

الأول: قتل خطأ محض: وهو ما قصد فيه الجاني فعل القتل، ولكنّه أخطأ في فعله أو في ظنّه، ومثال الخطأ في الفعل أنْ يرمي يقصدُ صيداً؛ فيُخطئ بالرّمي ويصيب إنساناً؛ فيموت بِرميَته، ومثال الخطأ في ظنّ القاتل أنْ يرمي شخصاً ظنّاً منه أنّه مهدور الدّم؛ فيتبيّن أنه معصوم، أو يرمي ما يظنّه حيواناً فيتبين أنّه إنسان.

الثاني: قتلٌ في معنى القتل الخطأ: وهو ما لا يُقصد فيه الفعل ولا الشخص، بمعنى أنّ الجاني لا يتعمّد القيام بفعل يسبب الموت ولا يقصد المجني عليه بالأذى.

وهذا النوع من القتل الخطأ قد يحدث من الجاني مباشرة، مثل مَن سقط منه شيء كان يحمله على آخر فمات به، وقد يحدث بالتسبب، مثل مَن حفر بئراً فسقط فيه أحدٌ فمات، أو مَن ترك حائط بيته دون إصلاح فسقط على أحد المارّة؛ فأودى بحياته.

وكفّارة القتل الخطأ عتق رقبة وهي الكفّارة الأصليّة، والصيام عقوبة بديلة للعتق، فلا يجب الصيام إلّا إذا لم يجد العِتق.

وقد وضع الفقهاء شروطاً لصيام القتل الخطأ؛ أولاها وجوب النيّة قبل وقت الفجر؛ لأنّه صوم واجب، وثانيها العجز عن عِتق رقبة؛ لقوله -تعالى-: (وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)، وثالثها صوم شهرين متتابعين لا يجوز له الإفطار فيهما إلّا لعذر.

وقد اختلف الفقهاء في الإنسان الذي عجز عن صوم الشهرين المتتابعين على قولَين، هما:

الظهار

يُعرّف الظّهار بأنّه قول الرجل لزوجته: “أنتِ عليّ كظهر أمي”، أو أن يُشبّهها بإحدى النساء المُحرَّمات عليه على التأبيد أو التأقيت، وهو أمر مُحرَّم، وكبيرة من الكبائر؛ لوصف الله له بأنّه مُنكر، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).

ولا تجب الكفّارة على الشخص بمُجرّد القول، بل بمُجرّد رغبته في أن يعود إلى زوجته، ورغبته في معاشرتها؛ لقول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا).

وكفّارة الظّهار تكون بتحرير رقبة، فمن لم يجد فيجب عليه صيام شهرين متتابعين، فمن لم يقدر فعليه إطعام ستّين مسكيناً.

وقد وضع العلماء شروطاً لصحّة الصيام في كفارة الظّهار؛ أولاها العجز عن عتق رقبة، أو عدم الاستطاعة المادّية لشرائها، وثانيها وجوب النيّة قبل الفجر؛ لأنّه صوم واجب، وثالثها وجوب التتابع في صيام الشهرين، ولا يجوز له الفطر إلّا بعذر شرعيّ يُبيح له ذلك، فإن كان إفطاره من غير عذر، فتجب عليه إعادة الصيام.

الجماع في نهار رمضان

يحرم على المُسلم جماع امرأته في نهار رمضان، فمن فعل ذلك فقد بطل صومه، وعليه القضاء والكفّارة، وكفّارة ذلك عتق رقبة، فمن لم يجد فيجب عليه صيام شهرين متتابعين، فمن لم يقدر فعليه إطعام ستّين مسكيناً.

يدل على ذلك حديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا).

وتكون هذه الكفّارة على الترتيب الوارد في الحديث، فلا ينتقل إلى غيرها إلّا حين العجز عن الكفّارة التي قبلها، وهو قول جماهير أهل العلم.

اقرأ أيضا: مقاصد سورة المجادلة

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

Exit mobile version