أسباب عدم استجابة الدعاء
يُعرّف الدعاء بأنّه طلب العبد حاجته من ربّه -عزّ وجلّ-، وقد شرع الله -تعالى- الدعاء وجعله مندوباً، ولم يُخصّص له وقتاً، أو حَدّاً مُعيَّناً؛ إذ يمكن أن يدعو المسلم ربّه في كلّ وقت، وبِما يشاء، ويجب على المسلم تجنب أسباب عدم استجابة الدعاء حتى يُحقّق اللهُ -تعالى- له مبتغاه.
أسباب عدم استجابة الدعاء
جعل اللهُ -تعالى- الدعاءَ وسيلة يتّصل بها العباد بربّهم -عزّ وجلّ-، وهو عبادة جليلة، يُظهِر فيها العبد تعظيمه لله -تعالى-، واعتماده عليه -سبحانه- فكلّما احتاج العبدُ أمراً توجّه إلى الله -تعالى- بالدعاء، والله تعالى يجيب دعاء عبده، قال -تعالى-: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)، إلّا أنّ هناك أموراً يقوم بها الداعي تمنع قبول الدعاء وفيما يأتي أسباب عدم استجابة الدعاء:
أكل المال الحرام
إنّ الدّعاء لله -تعالى- يحتاج إلى قلبٍ عامرٍ بالإيمان، مُلتزمٍ بالأحكام، وإنّ أكل المال الحرام من الرشوة، والرِّبا، والسرقة، أو النّصب والاحتيال، كل هذه المسائل تدل على قلبٍ قاسٍ، وعلى نفسٍ أمّارةٍ بالسوء، لذا فإن آكل المال الحرام يدعو ربّه بقلبٍ فارغ من الطاعة، مليءٍ بالمعصية، وهذا ممّا يمنع قبول دعائه.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: (يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحاً، إنِّي بما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، (( المؤمنون: 51 )) وقالَ: (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ). (( البقرة: 172 ))
ثُمَّ ذَكَرَ النبيُّ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟).
لذا يجب لمن أراد أن يقبل الله -تعالى- دعاءه أن يكون طيّب المال، في المَأكل، والمَشرب، واللباس، ثم يدعو الله -تعالى-.
اقرأ أيضا: كيف أتعلم الدعاء
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إن من يدعو الله -تعالى- فإنّه يطلب من الله -جل وعلا- أن يُقدّم له خيراً، أو أن يَرفع عنه منكراً، فإذا كان المسلم في حياته اليومية لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المُنكر، عندئذ يُعاقبه الله -تعالى- من جنس عمله، فكما أنّ العبد لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المُنكر، فالله -تعالى- يمنع عنه المعروف، ولا يدفع عنه المنكر، فالجزاء من جنس العمل.
وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقاباً منهُ ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم)، فمن أراد المعروف لنفسه وجب أن يُقدّمه لغيره ابتداءً، ومن أراد رفع المنكر عن نفسه فعليه أن يرفعه عن الناس كذلك.
تعجل الإجابة وترك الدعاء
من الآفات التي قد يقع بها من يتوجّه إلى الله بالدعاء، أنّه يَستعجل الإجابة، فهو يدعو الله -تعالى- صباحاً، ويريد الاستجابة لدعائه مساءً، وكأنّه يأمر الله -تعالى- أمراً وليس دعاءً، كما أنّ الدعاء يحتاج إلى إظهار ما في القلب من خشيةٍ ورهبةٍ وتعلّق بالله -تعالى-.
والداعي عليه أن يُظهر حاجتَه واضطراره، وعليه أن يكون لَحوحاً في الدعاء، ومن لم يفعل ذلك فقد استعجل الاستجابة، فهو يدعو بلسانه دون قلبه، وبهذا يُصيبه اليأس، ويترك الدعاء فيُحرَم الإجابة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي).
الذنوب والمعاصي
إنّ الدعاء يتطلّب من صاحبه أن يكون صاحب قلبٍ خاشعٍ، وحاضرٍ عند الدعاء، وهذا لا يُمكن أن يُحقّقه من كان قلبه جريئاً على المعاصي والآثام، فالمعصية تُقسّي القلب، والقلب القاسي لا يُستجاب له.
كما أنّ العبد إن لم يُصلح قلبه، لن يُغير الله -تعالى- له حاله، ولن يستجيب له دعاءه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ).
الدعاء بإثم أو قطيعة رحم
شرع الله -تعالى- الدّعاء لقضاء حوائج الناس، ورفع المشقّة عنهم، وإنّ دعاء الإنسان بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ فإنّ ذلك يعني أنّه قد استخدم طاعة الدعاء في معصية الله -تعالى-، وفي أذية الخلق، عندها يمنع الله تعالى عنه الإجابة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ).
اقرأ أيضا: أحاديث عن الدعاء يوم الجمعة
حكمة الله تعالى في عدم استجابة الدعاء
إنّ الله -تعالى- أكرم من أن يُضيّعَ على العبد الطائع دعاءَه، لذا فإنّ دعاء المسلم قد يُستجاب بصورٍ أخرى غير التي يُريدها أو يدعو بها.
يقول -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِنْ مُسلِمٍ يَدْعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلَّا أعطاهُ اللهُ إِحْدى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يُعَجِّلَ لهُ دعوتَهُ، وإمَّا أنْ يدَّخِرَها لهُ في الآخِرةِ، وإمَّا أنْ يصرِفَ عنهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها).
والمسلم يُستجاب دعاؤه لا محالةً بإحدى الصور التالية:
- يقبل الله -تعالى- دعاءه في الدنيا، ويستجيب له.
- يدّخر الله -تعالى- ثواب دعائه في الآخرة.
- يصرف الله- تعالى- عنه سوءً قد يقع فيه بفضل ذلك الدعاء، كأن يصرف عنه مرضاً أو مصيبةً أو نحوه.
اقرأ أيضا: كيف أشكر الله على استجابة الدعاء؟