هل اللقاح يفطر في رمضان

لم يكن اللقاح بمفهومه الطبي المعاصر له وجود قديماً، وقد اجتهد أهل العلم في تكييف المسألة وتخريجها فقهياً بما يتوافق مع ما ذكره الفقهاء القدامى في باب المفطرات للتعرف على إجابة سؤال هل اللقاح يفطر الصائم في رمضان خصوصاً مع حرص الكثيرين على تلقي لقاح كورونا للاحتراز من الإصابة بهذا الفيروس.

هل اللقاح يفطر في رمضان

هل اللقاح يفطر في رمضانوجد أهل العلم أنّ الفقهاء القدامى تناولوا بالبحث قديماً تأثير المداواة في لحم السّاق أو الفخذ على صحة الصوم؛ فاستفادوا من مذاهبهم وآرائهم، وخرّجوها بالاعتماد على الأصول الشرعية الثابتة في مسائل المفطرات في المسائل المعاصرة، وفيما يأتي خلاصة ما ذهب إليه أهل العلم في حكم اللقاح على الصيام:

المسألة الأولى

أجمع الفقهاء المعاصرون على أنّ الحُقن العلاجية العضلية والجلدية والوريدية، ومنها لقاح كورونا، لا تُفطّر، ولا يفسد بها صيام الصائم، وهذا ما قرّره اتّفاقاً مجمع الفقه الإسلامي في قراراته، واستندوا في ذلك إلى أدلة كثيرة، منها تخريج المسألة على ما أجمع عليه الشافعية والحنابلة أنّ المداواة بالساق أو الفخذ ليس مفسداً للصوم.

كما أنّ حقنة التّطعيم الوريدية أو الجلدية أو العضلية تدخل الجسم من غير المنافذ المعتادة، ولا يصدق عليها معنى الطعام أو الشراب، ولا هي في معناهما، فضلاً عن كونها لا تمدّ الجسم بطاقة تغنيه عن الأكل أو الشّرب؛ لذا يجوز تلقي لقاح كورونا في نهار رمضان دون أن يفطر الصائم.

المسألة الثانية

التّطعيم الذي يعطى على شكل قطرات في الفم يفسد به الصيام، لأنّه دخل من منفذ معتاد؛ خلافاً لحُقن التطعيم المشار إليها في المسألة السابقة.

المسألة الثالثة

اعتمد مجمع الفقه الإسلامي وعدد من المجامع الفقهية ودور الإفتاء وكثير من الفقهاء المعاصرين فتوى فساد الصوم باستعمال الحُقن المُغذّية على اعتبار أنّ الحُقن المُغذّية كالأَكْل والشُّرب؛ إذ البَدَن يكتفي ويستغني بها، ويسدّ حاجته، خلافاً للحُقن العلاجية، التي لا يُستغنى بها عن الطعام والشراب.

وذهب آخرون من الفقهاء إلى أنّ الحُقن المُغذّية ليست مُفسِدة للصيام، استناداً إلى أنّ الحُقن لا يصل منها شيءٌ إلى الجوف، وإن وصلت، فإنّ وصولها يكون من خلال مَسام الجِلْد فقط، وهي لا تُعدَّ جَوفاً، ولا تأخذ حُكمه.

وردّ الفقهاء على هذه الأدلة بأنّ كلّ ما يتغذّى به الجسم يعدّ من المفطّرات، والحُقن المُغذّية يتحقّق بها تغذية الجسم؛ فتدخل في دائرة الأكل والشّرب بغضّ النّظر عن وصوله إلى الجوف من عدمه.

اقرأ أيضا: الحصول على مختصر أحكام الصيام الصادر عن دائرة الإفتاء

تعريف اللقاح

تعريف اللقاحيُعدّ التّطعيم باللقاحات من أكثر الطُّرق فعاليةً؛ للوقاية من الأمراض؛ حيث يساعد اللقاح جهاز المناعة في الجسم على التعرّف على مسبّبات الأمراض؛ مثل: الفيروسات، أو البكتيريا، ومكافحتها عند الإصابة بها في المستقبل، ممّا يحمي من الأمراض التي تسبّبها.

ومن الجدير بالذكر أيضاً أنّ طرق إعطاء اللقاح تختلف باختلاف نوعه، حيث يُعطى بعضها عبر الفم (Oral administration)، بينما قد تُستخدم الحُقَن أو الإبر لإعطاء بعض اللقاحات عبر العضَل (Intramuscular injection)، أو تحت الجلد (Subcutaneous injection)، أو داخل طبقة الأدمة (Intradermal injection).

اقرأ أيضا: هل تحليل الدم يفطر

ضابط المفطرات المفسدة للصيام

اتّفق العلماء على فساد الصيام بسبب الأكل، أو الشُّرب، أو الجماع؛ استدلالاً بقَوْل الله -تعالى-: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ).

وقد تعدّدت مذاهب العلماء فيما يصل إلى الجوف من الطعام والشراب من غير المنافذ المعتادة لهما، كالحقن، وما يصل إليها من غير الغِذاء، كالحَصى، وما يصل إلى الدماغ دون المعدة.

ويرجع سبب اختلاف الأقوال فيما سبق إلى تفاوت الفهم عند الفقهاء بين اعتبار الصيام عبادة تُفهم مقاصدها بالعقل، أو أنّها عبادة غير معقولة؛ بمعنى أنّ المقصود منها هو الإمساك عمّا يرد الجوف، سواء كان مُغذّياً أو غير مغذّي، وفيما يأتي بيان ما ذهب إليه كلّ مذهبٍ من المذاهب الفقهيّة في ضابط المُفطرات:

  • الحنفيّة: قالوا إنّ كلّ ما وَصَل الجوف، أو الدِّماغ عبر المنافذّ الأصليّة؛ كالأنف، أو الأُذن، أو الدُّبر؛ يعدّ مُفطراً.
  • المالكيّة: قالوا إنّ كلّ ما وَصَل المَعِدة من منفذٍ عالٍ عنها؛ كالحَلْق، أو الأنف، أو العين، أو الأُذن، وإن كان ممّا لا يُتغذّى به؛ يعدّ مُفطراً، أمّا إن وصل المعدة من منفذٍ أدنى منها؛ كالدُّبر؛ فلا يعدّ مُفطراً، إلّا إن كان مائعاً.
  • الشافعيّة: قالوا إنّ كلّ ما وصل الجوف من منفذٍ مفتوحٍ؛ كالأنف، أو الأُذن؛ يعدّ مُفطراً، مع الإشارة إلى أنّ الجوف يشمل: البَطْن، والأمعاء، والمَثَانة، والدّماغ، والحَلْق.
  • الحنابلة: إنّ كلّ ما دخل الجوف، أو أي جزءٍ مجوّفٍ؛ كالدِّماغ، أو الحَلْق، يعدّ مُفطراً، سواءً وصل عن طريق الأنف، أو العين، أو الأُذن، أو الدُّبر.

ويُمكن ضبط ما يُفسد الصيام من الأكل والشُّرب، وما لا يُفسده باعتبار المُفطر ما كان مُفطراً عادةً، ووصل إلى الجوف يقيناً، ومن ثمّ استقرّ في المعدة؛ الأمر الذي يعني نقض الحكمة من مشروعيّة الصيام.

كما يُشترط فيما وصل إلى الجوف أن يكون ممّا يُمكن الاحتراز منه، فإن لم يكن كذلك، كالغبار، فإنّه لا يُفطر باتّفاق العلماء، كما اتّفق العلماء على فساد الصيام بما وصل إلى الجوف؛ سواء كان مُغذِّياً، أم لا، على أن يكون الصائم ذاكراً صَوْمه؛ فلا يُؤاخَذ الناسي في رمضان عند جمهور العلماء، إلّا عند المالكيّة الذين قالوا بالقضاء.

اقرأ أيضا: هل بخاخ الانف يفطر

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة