كُتب الصيام على الأمة الإسلامية وعلى غيرها من الأمم السابقة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، ويكثر التساؤل بين المسلمين عن أول من صام من الأنبياء وصيام الأمم السابقة قبل فرض صيام شهر رمضان.
من أول من صام من الأنبياء
والأيام البيض هي التي يظهر في لياليها القمر من أول اللَّيل إِلى آخره، وتقع في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر هجريّ.
وقد سمّيت بهذا الاسم لأنّ تلك الليالي تكون مشرقة نتيجة ظهور القمر فيها، ويتميّز القمر ببياض لونه فيها، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهرٍ صيامُ الدَّهرِ، وأيَّامُ البيضِ صبيحةَ ثلاثَ عشرةَ وأربعَ عشرةَ وخمسَ عشرة).
بينما روى ابن أبي حاتم عن الضحّاك أنّ نوحاً -عليه السلام- هو أوّل من صام، ولكن ذكر الفقهاء والرواة أنّ أول من صام من الأنبياء هو آدم -عليه السلام-؛ شُكراً لله -تعالى-؛ لقبوله توبته؛ ثمّ كان بعده صيام نوح؛ شُكراً لله بعد نجاته بالسفينة، وصولاً إلى صيام الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، فكان النبيُّ محمد بن عبد الله هو أول من صام في الإسلام.
وذكر مجاهد أنّ صوم رمضان فُرِض على الأمم السابقة كلّها، ولكن هذا لم يثبت، فقد كُتب على قوم موسى صيام عاشوراء، فقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ عاشُوراءُ يُصامُ قَبْلَ رَمَضانَ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضانُ قالَ: مَن شاءَ صامَ، ومَن شاءَ أفْطَرَ).
وقد نزل التشريع بصيام عاشوراء وجوباً في السَّنة الثانية من الهجرة، وصام الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المسلمين هذا اليوم، حتى جاء التشريع الإلهي في السنة التالية بنسخ صيام هذا اليوم بصيام شهر رمضان المبارك؛ فهو الشهر الذي كان يتعبّد فيه النبي في غار حراء، وصار نبيّاً فيه، ونزل القرآن عليه فيه كذلك.
قال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، فالصيام كان معروفًا منذ زمن الأُمم السابقة حتّى جاء الإسلام وفرضه في شهر رمضان.
اقرأ أيضا: من هو خطيب الأنبياء
الصيام في الأمم السابقة
يُعدّ الصيام من أركان الإسلام المفروضة على المسلمين، إلا أنَّ فرضيته لم تقتصر عليهم فقط، فقد فُرض على غيرهم من الأُمم الكتابية السابقة.
تُظهر النصوص الواردة في الكتب المُقدَّسة الخاصّة باليهود والنصارى أنّ الصيام كان موجوداً عندهم، وقد كانت بعض الطوائف والمذاهب تصوم في أوقات الشدّة التي يُخيّم فيها الحزن، وتقع فيها المصائب.
وقد ورد في التوراة أنّ موسى -عليه السلام- صام أربعين يوماً، وأنّ اليهود كانوا يصومون في أوقات الضراعة؛ اعترافاً لله بذنوبهم، فيكون الصيام كالتوبة عن تلك الذنوب، بالإضافة إلى وجود صيام مرتبط بمناسبات مُعيّنة من السنة عندهم.
أمّا فيما يتعلّق بصوم المسيح -عليه السلام-، فقد ورد في الإنجيل أنّ المسيح صام أربعين يوماً، وأنّ حواريّيه أيضاً كانوا يصومون معه.
وما ورد في الكتب المُقدَّسة من صيام الأمم السابقة إنّما هو شاهد على قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)، والصيام المفروض في الإسلام يشابه صيام الأمم السابقة في أصل الصيام كعبادة، إلّا أنّ الاختلاف في كيفيته وغاياته.
وتكمُن الحكمة في التذكير بفرضية الصيام على الأنبياء والأمم السابقة في إثبات أنّ أركان الرسالات مصدرها واحد، وفي ذلك مواساة للمسلمين وتسلية لهم وتخفيف مشقة الصوم وتعبه عليهم حتى يُقبل المسلم على هذه العبادة بنفسٍ مطمئنة.
فالصيام شريعةٌ استمرّت على مرّ العصور، فسار الأنبياء والصالحون على هذا التشريع، وهم قدوة للمسلمين في ذلك، فترتفع همّة المسلم اقتداءً بمن سبقه من الصالحين.
وقد جاءت آية فرض الصيام في سورة البقرة بالنداء على المؤمنين؛ وهذا دليلٌ على أهميّة الصيام وأنّه من مقتضيات الإيمان، فترك الصيام أمرٌ مخلٌّ بالإيمان، فهو فضيلةٌ من الفضائل التي ترتقي بالمسلم لتصل به إلى درجة كمال الإيمان.
كما أنّ الصيام فيه تحقيقٌ لتقوى الله -تعالى- في النفوس، وهذه هي الغاية من فرض الصيام على المسلمين، فالتقوى أمرٌ واجبٌ في الأصل، ويحمل المسلم على الالتزام بما أمر به الله -تعالى- واجتناب ما نهى عنه.