رَجْم ثريا فيلم خلط المبادئ ببعضها ما بين إدانة الظلم الواقع عليها والمؤامرة التي حيكت للتخلّص منها، وبين أحقيّة أحكام الإسلام في التعامّل مع مُرتكبي الفواحِش. وهنا سنتحدث عن “قصة فيلم رجم ثريا”.
قصة فيلم رجم ثريا
الفيلم يروي قصة حقيقة لسيدة إيرانية قتلت رجماً بالحجارة، ليس لشيء سوى إشباع لرغبة زوجها الجنسية ليتمكن من الزواج بفتاة أخرى دون أن يتحمل أعباء نفقة زوجته الأولى، فدبر لها مكيدة واتهمها بالزنا، والفيلم عن تجربة حقيقة لفتاة في إحدى قرى إيران رفضت أن تقبل بالطلاق من زوجها دون أن يتحمل دفع مستحقاتها كمطلقة، فتم اتهامها بالزنا، ورجمها في إيران على يد زوجها وأبيها وأبنائها وأهل قريتها.
أما الرواية التي تم تداولها على فيسبوك أن تلك الفتاة سورية، وتم رجمها لأنها استخدمت الفيس بوك.
هذا الفيلم هو صرخة في وجه الظلم أُريد من ورائها الطعن بأحكام الدين عبر صوَر باكية وكلمات هامِسة نسمعها من ثريا، فلا يبقى أمامنا إلا أن نغضب من واقعٍ ظالمٍ ومجتمعٍ أظلم.
حتى هُتافات التكبير من الراجمين في تمثيل مشهد الرَجْم تمّ توظيفها في هذا الفيلم خدمة للظلام ودليل إدانة لانسياق الرعية خلف رجل الدين، بما يُلقيه من ظلال الجهل والتخلّف على سكان القرية وكأنها خلت من عاقلٍ أو حكيم.
مشهد الرجم ماستر سين العمل
مشهد الرَجْم كان الأطول في هذا الفيلم حيث كرَّس له المخرج كل طاقات وإمكانيات التأثير لاستجلاب عاطفة المشاهد واستثارة غضبه على مَن دبَّر المكيدة وعلى مَن حكم بموت ثريا بهذه الصورة.
لكن عند مشاهدة الفيلم ستقف على مُغالطات دينية وقع فيها كاتب القصة حصرت الإسلام ضمن المجتمع الذكوري واكتفت بنوم ثريا على غير فراشها كدليل دامغ للزنا، كما طالبت المرأة بدليل براءتها من التهمة وطالبتها أيضاً بتقديم الدليل حال اتهامها لأي شخص، فعن أي دين تُرى يتكلّم الفيلم؟
إذاً هو مجتمع لا يرحم المرأة ولا يعرف لها حقاً ولا باطلاً، هي مُدانة دائماً ما لم تثبت براءتها وهي في هذا الفيلم مُدانة لأنها أنثى، مُدانة لأنها مصدر الفتنة، مُدانة لأنها طلبت حقها من مجتمع لا يعترف لها بحق.
يرسخ هذا المشهد انفصال الناس عن مشاعرها في هذه القرية التي يسيطر عليها الجهل، وتبدو وكأن الحياة نسيتها إلا من أحكام وسطوة “الثورة”، فترتفع كلمة الشيخ فوق صوت الجميع، ويبدو طوال وقت الجريمة وما بعدها تمثال للخميني أُقيم على حائط مرتفع ليعطيه دور الرقابة والوصاية على حياة الناس، في الوقت الذي تُزهق فيه حياة امرأة تُعبر عن الشباب والعنفوان.
وأحداث الفيلم بأكمله ما كانت لتبصر النور وتبلغ آذان العالم لولا أن الخالة زهرة، التي تتبنى فكرًا مناهضًا لهيمنة الخميني، التقت بصحفي فرنسي من أصل إيراني هو فريدوني صاحب جم، تعطلت سيارته في القرية وتوقف لإصلاحها، فدعته إلى بيتها وروت له الحكاية.
الصحفي الذي كان يغطي أحوال إيران في ظل حكم الخميني بعد سنوات من سقوط الشاه. حمل القصة على عاتقه وأصدرها في عام 1994 ضمن كتاب تُرجم لنحو 30 لغة. وأعاد المخرج الأمريكي من أصول إيرانية سيريوس نوراستيه كتابة سيناريو للقصة، وأخرجها كفيلم سينمائي في عام 2008. ليعرض للمرة الأولى في الولايات المتحدة في تموز من عام 2009.
زوايا التصوير وإبداع المخرج والمنتج
زوايا التصوير التي استخدمها المخرج في المشهد الأخير رصدت عُمق الإحساس بالألم والمُعاناة في وجه ثريا وملامحها البريئة. لقطات خالية من أي حوار امتلأت بإحساس الظلم والمهانة على يدي أقرب الناس.
لن نشعر بغرابة العمل إذا عرفنا أن مُنتجه هو Stephen McEveety وهو مُنتج فيلم آلام المسيح أيضاً الذي تناول الساعات الأخيرة في حياة سيّدنا المسيح عليه السلام. قبل أن يتمّ صلبه. كما أدّى الممثل جيم كافيزل دور المسيح في ذلك الفيلم وهو الممثل نفسه الذي لعب دور الصحافي في فيلم ثريا. نقاط عدّة وعلامات استفهام كثيرة أثارت جدلاً واسعاً وقت العرض الأول لهذا الفيلم.
المغالطات الفكرية والدينية
فهذا الفيلم خرج بكثير من المُغالطات الفكرية والدينية التي حالت بينه وبين الموضوعية. حتى أتت القصة عن كونها انتصاراً لحقوق الإنسان وحقوق المرأة. (وهي السردية التي يتمسك بها الغرب في حربه ضد إيران والافتراء عليها). حيث لا هدف إلا استجداء زائِف للعواطف. وتشويه مقصود للأحكام وإدانة مُبطَّنة للمجتمع الإسلامي. وخوض المعارك السياسية ضد طهران من باب السينما.
لم أكن لأتحدَّث عن قصة هذا الفيلم وقد مرّ على وقت إصداره الكثير. لكن التسويق له مرات عدّة وآخرها في “يوم المرأة العالمي” في بعض البلدان على قاعدة فاسدة. وهي دسّ السمّ في العسل.
صحيح أننا لا نعيش في المدينة الفاضلة ولا وسط مجتمع ملائكي. لكننا نتفّهم جيداً كيف كرَّمت كل الأديان المرأة. وكيف جاء الإسلام ليحفظ لها حقوقها ويضمن حريتها بعيداً من المُتلاعبين بالدين والمُتشبّثين بأنصاف الحقائق. ومَن يوظّفون الخلافات السياسية بين الحكومات لصناعة نصرٍ زائف.
العمل وبطولته ومصير الكاتبة
العمل من بطولة الممثلة شهرة أغداشلو (زهرة)، موزهان مارنو (ثريا)، جيم كافيزل (الصحفي)، نافد نجيبان (علي). وحاز على 8 من 10 درجات في تقييم موقع “IMDb” لنقد وتقييم الأعمال السينمائية والدرامية. وحملت الموسيقى التصويرية توقيع جون ديبني.
وتسعى طهران لتكميم الأفواه التي تنتقد أحكامها وسياساتها الداخلية. فحكمت على الكاتب صاحب جم بالإعدام بتهمة انتقاد الحكومة. لكنه توارى عن الأنظار حتى وفاته في فرنسا.
وذكرت منظمة العفو الدولية، في تشرين الأول من عام 2016. أن السلطات الإيرانية حكمت على الكاتبة غولروخ إبراهيمي الرائي بالسجن لمدّة ست سنوات. بتهمة “إهانة المقدسات الإسلامية” بسبب كتابتها قصة لم تُنشر عن عقوبة الرجم التي أُضيفت مع الجلد وبتر الأعضاء إلى قانون العقوبات الإيراني. إثر سقوط حكم الشاه.
المراجع