أين كان يسكن قوم لوط
عاش لوط -عليه السلام- في زمن رسالة إبراهيم الخليل عليه السلام، حيث آمن به واهتدى بهديه، قال الله تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، ولقد هاجر لوطٌ -عليه السلام- مع عمّه نبيّ الله إبراهيم، واتّبعه في جميع أسفاره حتى أرسله الله -تعالى- نبيّاً إلى قومه، ويتساءل الكثيرون ” أين كان يسكن قوم لوط عليه السلام؟ ”
أين كان يسكن قوم لوط
إنّ إجابة سؤال ” أين كان يسكن قوم لوط عليه السلام؟ ” هي في الأردن قرب البحر الميت بين الحجاز والشام، وهم أهل سدوم، وسدوم هي أكبر قرى مدائن لوط، وكانت تضمّ أيضاً عامورا، وصبرانة، وصفراء، ودوما، وصابورا، وداذوما، وصبواس، وصبعة، وصعرة، وأقام فيها لوط بضعاً وعشرين عاماً.
وقد كان أهل سدوم من أكفر الناس وأجحدهم لفضل الله ونعمه، وأقبحهم سيرةً وأسوأهم أخلاقاً، وكان من أسوأ طباعهم أنّهم لا ينكرون منكراً ولا يتناهون عنه، ولا يستحيون من فعل الخبائث أمام بعضهم، وكانوا يقطعون الطرق على المسافرين، وظهر اللواط بينهم فقد كانوا يأتون الرجال دون النساء ويجاهرون بفعلهم.
أرسل الله -تعالى- نبيّه لوطاً عليه السلام، يدعوهم إلى توحيد الله تعالى، والانتهاء عن كلّ تلك الفواحش والمنكرات.
لم يتوانَ نبيّ الله لوطٌ في دعوة قومه إلى التوحيد ونهيه لهم عن إتيان الحرام والفواحش، لكنّهم قابلوا تلك الدعوات بالكفر والتكذيب والإنكار، وبغض الطهارة والفضيلة، ولم يؤمن بنبي الله لوطاً من قومه أحد، حتى إنّهم همّوا بإخراج نبيهم من قريتهم.
قال الله -تعالى- على لسان قوم لوط: (أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، فكانت حُجتهم في إخراج نبيّهم أنّه يلتمس الطهر والفضيلة، وهو شيءٌ مبغوضٌ منكرٌ عندهم.
وكان من كُفر واستكبار القوم على نبيّهم أيضاً أن طالبوه بإنزال العذاب فيهم إن كان حقّاً من المرسلين، حيث قال الله تعالى: (ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)، فحينئذٍ توجّه لوطٌ -عليه السلام- إلى ربّه بالدعاء أن يعينه على قومه، وأن يهلكهم وينصره عليهم.
اقرأ أيضا: من هو النبي الذي دخل الشجرة
نزول الملائكة ضيوفا عند لوط عليه السلام
عندما توجّه لوط -عليه السلام- لربّه بالدعاء لنصرته، أجاب الله -تعالى- دعوته، فأرسل إليهم ملائكته؛ جبريل، وميكائيل، وإسرافيل ليُنزلوا فيهم العذاب، فقد نزلو أولاً عند إبراهيم -عليه السلام- ليبشّروه بابنه إسحاق، ويُخبروه بخبر قوم لوط.
فزع إبراهيم -عليه السلام- وخاف على ابن أخيه لوطاً، فأخبرته الملائكة أنّ الله -تعالى- سيُنجي نبيه لوطاً، وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين.
ومع كل هذا فقد كان نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام- راغباً بأن يؤمن قوم لوط ولا يُعذّبوا، فأخذ يُجادل الملائكة في ذلك، فأخبرته الملائكة أنّ أمر الله واقعٌ على كلّ حال، قال تعالى: (فَلَمّا ذَهَبَ عَن إِبراهيمَ الرَّوعُ وَجاءَتهُ البُشرى يُجادِلُنا في قَومِ لوطٍ * إِنَّ إِبراهيمَ لَحَليمٌ أَوّاهٌ مُنيبٌ * يا إِبراهيمُ أَعرِض عَن هـذا إِنَّهُ قَد جاءَ أَمرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُم آتيهِم عَذابٌ غَيرُ مَردودٍ).
خرجت الملائكة من قرية إبراهيم -عليه السلام- متوجّهين إلى مدائن لوط، وقد جعلهم الله -تعالى- على هيئة شُبّان وجوههم مشرقة ليكونوا فتنةً وحجةً على قوم لوط.
ولمّا دخلوا على لوط -عليه السلام- لم يُخبروه بحقيقيتهم في بادئ الأمر، فرحّب بهم لوط -عليه السلام- وقدّم لهم الضيافة، واشتدّت عليه الغمّة؛ حيث خشي عليهم من قومه أن يفضحوه في ضيوفه، وهذا ما حصل حقاً.
لمّا رأت زوجة لوط، وكانت كافرةً مائلةً عن الحق، جمالهم وحسنهم الظاهر، انطلقت لتخبر قومها بخبرهم، وأنّهم موجودون عند زوجها يُضيفهم.
أقبل القوم إلى بيت لوط -عليه السلام- يراودونه عن ضيوفه، يريدون الوصول إليهم، ونبيّ الله يحاول إقناعهم وتذكيرهم بقبح فعلهم ومنكرهم، فلم يستمعوا لأمره.
قال الله تعالى: (قالَ يا قَومِ هـؤُلاءِ بَناتي هُنَّ أَطهَرُ لَكُم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخزونِ في ضَيفي أَلَيسَ مِنكُم رَجُلٌ رَشيدٌ * قالوا لَقَد عَلِمتَ ما لَنا في بَناتِكَ مِن حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعلَمُ ما نُريدُ).
قيل إنّ لوطاً جعل ضيوفه في غرفةٍ، وأغلق عليهم الباب ليُحاور قومه، وهم يبادرونه بفتح الباب ليلقوا النظر على الضيوف الموجودين، فلمّا رأت الملائكة شدّة الكرب الذي وقع على لوط -عليه السلام- أخبروه أنّهم ملائكةٌ مرسلون من ربّهم، وإنّ هؤلاء القوم لن يستطيعوا الوصول إليهم، وأنّ العذاب بات وشيك الوقوع في القوم الكافرين.
اقرأ أيضا: من هو النبي الذي مات ولم يدفن
نزول العذاب في قوم لوط
أمر الله -تعالى- نبيّه أن يخرج بأهله من القرية الكافرة ليلاً قبل شروق الشمس، وأمرهم إن سمعوا أصوات المعذّبين من خلفهم ألّا يلتفتوا ورائهم، ليروا عذابهم، فخرج لوطٌ بأهله وكانت زوجته الكافرة معه، فأخبره الله -تعالى- أنّه سيصيبها العذاب مثل قومها.
أرسل الله -تعالى- جبريل -عليه السلام- فأدخل ريشةً واحدةً من جناحه تحت قراهم وهي أربعة أو خمسة، فاقتلعها من أصلها، وكان يسكنها حوالي أربعمئة ألف شخصٍ، ورفعهم جميعاً إلى عنان السماء، حتى سمع أهل السماء الأولى أصوات ديوكهم ونباح كلابهم، ثم ردّها رأساً على عقبٍ في الأرض، ثمّ أُرسلت عليهم صيحةٌ وحجارةٌ من السماء.
وقد أصاب ذلك العذاب زوجة لوط فلم تُستثن من الإهلاك لأنّها كانت راضيةً عن فعال قومها، وخانت زوجها حين أخبرتهم بوجود الضيوف عنده فاستحقت الإهلاك.
اقرأ أيضا: من هو النبي دانيال