سرقات المتنبي الشعرية
يُعدّ موضوع السرقات الشعرية من أخطر الموضوعات التي تطرق إليها النقد القديم، لكثرة ما في هذا الموضوع من ملابسات يصعب حصرها، وقد وقع المتنبي في كثير من الأحيان فريسة لأقلام النقاد واتهاماتهم له بالسرقة الشعرية، وألِّفت في شعره الكثير من الكتب قديماً وحديثاً، تطرح وتناقش وتحلل سرقات المتنبي الشعرية بالدليل والمقارنة.
سرقات المتنبي الشعرية
عُرِف المتنبي بوصفه شاعِراً مبدعاً ومبتكراً ولكن هذا لم يكن رأي كلِّ روَّادِ عصره، فكما كان له مريديون ومعجبون كان له من يبحث وراءه ليعثر على زلاته ونقائص شعره، وبهذا فقد ترصَّد له النقاد باحثين عن السرقات في بعض شعره، لنفي الإحسان والابتكار عن بقية ما كتب.
ورغم سعي النقاد هذا إلا أنهم كانوا مجمعين على أنه شاعر مجيد ومن طراز رفيع وأن مشكلته الوحيدة في شعره هي مسألة السرقة الشعرية.
ومن المعاني التي يزعم خصوم المتنبي أنه سرقها من ابن الرومي قوله:
ولو حُمّلتْ صُمُّ الجبال الذي بنا
غداة افترقنا أوشكت تتصدّع
فقد سبقه ابن الرومي وقال:
شكوى لو أنّىَ أشكوها إلى جبل
حأصمّ ممتنع الأركان لانفلقا
وربما نتفق مع خصوم المتنبي في أن بيت ابن الرومي أبلغ وأدل على المعنى (الحزن)، فالمتنبي غير أنه استخدم التصدع الذي هو أقل دلالة من الانفلات، أي الانهيار الكامل، قال (أوشكت) وفيها عدم وقوع الشيء. وهذا ربما يقودنا إلى القول بأن المتنبي متكلف في نظمه للبيت.
وفي كل حال لا يعني هذا التشابه الكبير بين البيتين بأن الثاني سرق معنى الأول، فالقارئ العارف بحياة المتنبي وشخصيته وقريحته الشعرية يرفض قطعًا هذا الزعم.
كانت إحدى الاتهامات للمتنبي أيضاً متمثلة في اتهامه بسرقة المعنى من بيت طرفة بن العبد، فقد قال المتنبي واحداً من أشهر الأبيات الشعرية التي صارت مثلاً:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ
- وكان قد سبقه طرفة بن العبد إلى معنى قريب من ذلك عندما قال:
فيا لك من ذي حاجة حيلَ دونها
وما كلُّ ما يهوى المرء هو نائِله
ومن الأبيات التي اتهم المتنبي بسرقتها أو مشابهة معناها كذلك قوله:
أفاضل الناس أغراض لهذا الزمن
يخلو من الهم أخلاهم من الفطن
وقد قارن الناقد العميدي هذا البيت ببيتٍ للبحتري يقول فيه:
أرى الحلم بؤسى في المعيشة للفتى
وما العيش إلا ما حباك به الجهل
ومن الأشعار البديعة التي قالها أبو تمام واتُهم المتنبي بسرقتها:
أما إنه لولا الخليط المودَّع
وربعٌ عفا منه مصيفٌ ومربع
له منظر في العين أبيضُ ناصعٌ
ولكنه في القلب أسود أسفع
حيث قال المتنبي:
ابْعَدْ بَعِدْتَ بياضاً لا بياضَ لَهُ
لأنت أَسْودُ في عَينِي من اّلْظُّلَمِ
ولا نستطيع نفي التشابه الكبير بين البيتين، ولكن يُحسب للمتنبي نزوعه إلى الفلسفة بقوله “بياضاً لا بياضَ لَهُ”، وهذا لا يعني أيضاً السرقة. لأن الشاعرين من عصر واحد، وقد نهلوا من نفس الثقافة وعاشوا ظروف حياة متقاربة.
اقرأ أيضا: شعراء قتلهم شعرهم
السرقات الشعرية
يُقصد بالسرقة الشعرية أن يأخذ شاعر لاحق من شاعر سابق بيتاً شعراً أو شطراً من بيت أو معنى أو صورة فنية، فيضمنه في شعره، أو ينسبه لنفسه، ولا تكون السرقات في المعاني المشتركة بين كل الشعراء بل في المعنى المبتكر للشاعر.
ورغم أن مصطلح السرقات الشعرية انتشر انتشار النار في الهشيم في النقد العربي القديم، وهو يدل على فعل سيّئ وقبيح، إلا أنه من الصعب بمكان أن يُقال لشاعر أنه سرق معنى أو سرق بيتًا شعريًا، ولذلك بدأ النقاد بالتخفيف من وطأة هذا المصطلح.
وضّح النقاد أن ليست كل سرقة مذمومة، بل ثمة سرقات لا يُعاب صاحبها، كأن يسرق المعنى ويغير في الألفاظ، وبذلك صنفوا السرقات في درجات ومراتب حسب الطريقة التي أعاد فيها الشاعر بناء المعنى.
ومع كل هذه الجهود في تحديد السرقات الشعرية وأنواعها لم يخلُ النقد الأدبي من بعض الأحكام التعسفية على بعض الشعراء بالسرقة الشعرية، مثل هجوم كثير من النقاد على المتنبي، والحديث عن سرقات المتنبي الشعرية واتهامه بأمور ليست فيه ربما ولا في شعره.
اقرأ أيضا: شعر المتنبي عن اللغة العربية
أهم المؤلفات النقدية في سرقات المتنبي
كتب النقاد العديد من الكتب في موضوع سرقات المتنبي محللين وباحثين وراصدين للتشابهات والأفكار ومن أهم هذه الكتب ما يأتي:
الكشف عن مساوئ المتنبي للصاحب بن عباد
حاول الصاحب بن عباد في هذه الرسالة حصر مساوئ المتنبي فوجد أنها كلها تتلخص في موضوع السرقات الأدبية، على أن الصاحب بن عباد لم يستطع ضبط سرقات حقيقية عند المتنبي فاتَّجه إلى نقد معانيه.
الرسالة الموضحة في سرقات المتنبي للحاتمي
حدد الحاتمي المنهج الذي اتبعه في الرسالة بقوله: “نهدت له متبعاً عواره، ومقلّماً أظفاره، ومذيعاً أسراره، وناشراً مطاويه، ومنتقداً من نظمه ما تشمَّخ به.”.
وقد اتجه الحاتمي في حديثه عن السرقات ذات الاتجاه الذي سبقه إليه الصاحب بن عباد فصبَّ تركيزه ونقده على المعاني، وهذا يدل على فساد في منهج هذين الرجلين.
وتجدر الإشارة إلى أن موضوع السرقات الشعرية أمر وموضوع المعاني وفسادها وابتذالها أمر آخر، ويمكن أن نعيد سبب اهتمام النقاد في ذلك العصر باتهام المتنبي بالسرقة إلى كون ما بينهما وبين المتنبي محض أحقاد شخصية دفعتهما للترصد له.
اقرأ أيضا: في أي عصر عاش المتنبي