كائن التارديغرادا

لا تكاد قطرة واحدة من الماء أن تخلو من حياة، فثمة فيروسات وبكتيريا وفطريات وحيوانات أولية وحيدة الخلية، فضلا عن أكوان كاملة تعجز عيون البشر المجردة عن رصدها، لكنها تمتلئ بكائنات من أعجب ما يكون، ومن أبرز هذه الكائنات كائن التارديغرادا الذي يعتبر أقوى وأغرب حيوان في العالم وأول حيوان أرضي يستطيع العيش في الفضاء الخارجي.

كائن التارديغرادا

كائن التارديغراداكائن التارديغرادا أو دب الماء من الحيوانات التي لا تُرى بالعين المجردة، ويُعرف بعدة أسماء مثل: بطيء الخطو، أو خنزير الطحالب، وهو من اللافقاريات الصغيرة، ممتلئ الجسم، كما أنه من الكائنات الحية المقسمة والمتناظرة ثنائياً.

يصل طول جسم أكبر دب ماء بالغ حوالي 1.5 ملم بينما يصل طول أصغرهم إلى أقل من 0.1 ملم ويمكن أن يصل طول دببة الماء التي فقست حديثاً إلى 0.05 ملم.

يمتلك كائن التارديغرادا أربعة أزواج من الأرجل تنتهي كل منها بمخالب يتراوح عددها بين 4-8 مخالب، ويصل طول المخلب بين 0.05-1.2 ملليمتر، كما يتكاثر دب الماء عن طريق التكاثر الجنسي، أو التكاثر اللاجنسي أو ما يسمى بالتوالد العذري (بالإنجليزية: Parthenogenesis).

يتغذى هذا الكائن على سوائل الخلايا النباتية والحيوانية، فهو يمتلك القدرة على اختراق جُدر الخلايا النباتية، أو جُدر أجسام الحيوانات، وباستخدام بلعومه يقوم بامتصاص المحتويات الداخلية للمواد الغذائية الخاصة بهم.

وهناك أنواع من الدببة المائية تأكل الكائنات الحية الكاملة مثل: الروتيفر وغيرها، ولا يمتلك دب الماء دورة دموية أو جهازاً تنفسياً، ولكن يمتلك خلايا دموية مفتوحة تلمس كل خلية، مما يسمح بتبادل الغذاء والغاز.

يعتبر المكان الأفضل للحصول على دببة الماء هو الطحالب والأشنات ولكن لها بعض البيئات الأخرى مثل الكثبان الرملية، والشواطئ، والتربة، والرواسب البحرية، والمياه العذبة حيث توجد بنسبة كبيرة جداً (تصل إلى 25,000 حيوان لكل لتر)، كما يمكن العثور عليها في كثير من الأحيان بواسطة نقع قطعة من الطحلب في الماء.

اقرأ أيضا: كيف تحصل الحيوانات على طعامها في الشتاء

التارديغرادا أقوى مخلوق على وجه الأرض

ربما لا يعيش في الأكوان المائية المصغرة مخلوق أكثر غرابة من ذلك الحيوان المجهري المسمى بدب الماء، الذي قد يشبه فعلا الدب أو الخنزير؛ لذلك فمن أسمائه الأخرى خنزير الطحالب، حيث أن هناك أكثر من ألف نوع معروف من دببة الماء، تستوطن معظم المسطحات المائية من أعماق المحيطات إلى الصحاري الجليدية القاحلة في أنتاركتيكا، ومن ثلوجٍ تكلل قمة جبل تطاول السحب إلى حفنة طحالب تنمو على رطوبة أصابت جذع شجرة في غابة استوائية.

تتهادى دببة الماء بسباحتها المتثاقلة-والتي اكتسبت بسببها اسمها الآخر الأكثر شهرة Tardigrades الذي يعني باللاتينية الخطوة البطيئة- في المياه تحت ظروف يستحيل تحملها بالنسبة للأغلبية الساحقة من مخلوقات هذا الكوكب.

ويسجل العلماء بقاءها حية في طيف هائل من درجات الحرارة يبدأ من مئتي درجة مئوية تحت الصفر ويصل إلى 150 درجة مئوية، وضغط يعادل ستة أضعاف الضغط عند أعمق نقطة معروفة في قيعان المحيطات، ومستويات من الإشعاع تبلغ آلاف أضعاف الجرعات القاتلة للبشر ومعظم أشكال الحياة.

في عام 2007 أُرسل دب الماء في تجربة فضاء علمية لمحطة الفضاء الدولية، وبقي على قيد الحياة طوال فترة التجربة، وبدأ يتحرك، ووضع بيضا فقس بنجاح، وذلك بالرغم من الضغط المنخفض والإشعاع الشديد ودرجات الحرارة المنخفضة والحرمان من الأكسجين في فراغ الفضاء.

يجيب العلماء على سؤال “كيف تتحمل دببة الماء مثل تلك الظروف المستحيلة؟” بأن سر هذه القوى الخارقة يعود إلى قدرة دببة الماء على الدخول في طور يشبه السبات -وربما هو إلى الموت أقرب- عند اختبار الجفاف أو غيره من الظروف غير المواتية.

يتكور كائن التارديغرادا في تلك اللحظات حول نفسه ليتخذ هيئة شبيهة بالبرميل، وتهبط أنشطته الحيوية إلى ما يقترب من 0.01% من معدلاتها الطبيعية، وتمكث في تلك الحالة البرميلية حتى يعود الماء، ولو ما يكفي منه فقط لتغطية الجسد الضئيل.

وتعتدل الظروف، لأعوام وربما لعقود، وفي تجربة مدهشة أعيدت دببة ماء إلى حالتها الطبيعية بعد البقاء في الحالة البرميلية داخل عينة جافة من الطحالب في متحف لمدة جاوزت المئة عام!

ولا شك أن هذه القدرات الخيالية قد دفعت العلماء إلى السعي لفهم المزيد عن آليات البقاء لدى دببة الماء، بتعريضها لأقسى الظروف الممكنة ودراسة استجاباتها. وهو ما أفضى أخيراً إلى اكتشاف نقطة ضعف هذه الكائنات الضئيلة الأسطورية، وهي التعرض للحرارة المرتفعة لفترات مطولة.

يقول ريكاردو نيفيس الباحث في البيولوجيا بجامعة كوبنهاغن والمشارك في دراسة كائن التارديغرادا: “عرضنا دببة الماء في حالاتها العادية إلى درجة حرارة 37.1 مئوية لفترة متصلة، فمات نصف أفراد العينة بعد مرور 24 ساعة. أما الأطوار البرميلية فبلغت النسبة نفسها عند درجة حرارة 63.1 مئوية”، وكانت الدراسات السابقة التي تحملت فيها دببة الماء درجة 150 مئوية قد عرضتها لهذه الحرارة العالية لمدة نصف ساعة فقط.

وهكذا اكتشف العلماء أن هذه المخلوقات التي كنا نظنها حتى وقت قريب خارقة، لن يتطلب تهديد بقائها سوى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بضع درجات مئوية فقط، الأمر الذي لا يبدو بعيداً تماماً في أفق هذه الأرض الذي تلوح فيه الانقراضات الموشكة لشتى أنواع الكائنات، حتى تلك التي بلغت قصص تكيفها مبلغ الأساطير.

اقرأ أيضا: غرائب عن الحيوانات المفترسة

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3
مصدر 4

Exit mobile version