معنى آية ومنكم من يرد إلى أرذل العمر
يتساءل الكثيرون عن الآيات التي تتناول قضية الإحياء والإماتة، وخاصةً معنى آية ومنكم من يرد إلى أرذل العمر التي ترد بالحجة والبرهان على من جحد أنّ الله هو الذي خلقه وتوجّه إلى غيره بالعبادة، ومن أنكر قدرة الله تعالى على البعث والإحياء.
معنى آية ومنكم من يرد إلى أرذل العمر
إنّ معنى آية ومنكم من يرد إلى أرذل العمر الواردة في سورة النحل أنّ الله تعالى يُخاطب عباده بأنّه وحده من خلقهم من العدم وهو القادر على إماتتهم وإهلاكهم، ونُقل عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّ السن التي يصير فيها الإنسان إلى أرذل العمر هي 75 سنة.
يُراد بقوله تعالى: لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئًا، أنّ الله تعالى يردّ الإنسان إلى أرذل العمر ليعود جاهلًا كما كان في الطفولة والصبا، فينسى كل شيء كان يعلمه بسبب الكبَر وضعف الذاكرة، فينسلخ علمه السابق من عقله ويصير لا يعقل شيئًا ممّا كان يعلمه ويعقله قبل ذلك.
كما قال ابن كثير أنّ أرذل العمر هو الهرم ويعني الضعف في الخلقة، ويدلّ على هذا قول الله تعالى في سورة الروم: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}، فعندما يصل الإنسان إلى أرذل العمر يحصل له ضعف في القوى ويسوء حفظه ويقل علمه، ولهذا قال تعالى: لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئًا، أي أنّه بعدما كان عالمًا صار لا يدري شيئًا من الفنَد والخرف.
وقد استعاذ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أن يُردّ إلى أرذل العمر، حيث أخرج البخاري في صحيحه: عن أنس بن مالك -رضي الله عنه: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَدْعُو: أعُوذُ بكَ مِنَ البُخْلِ والكَسَلِ، وأَرْذَلِ العُمُرِ، وعَذَابِ القَبْرِ، وفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وفِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ”، كما أنّ شعراء العرب قد ذكروا ما يحصل للإنسان من السأم والملل عند وصوله إلى مراحل متقدمة من العمر.
وجاء في تفسير القرطبي أنّ أرذل العمر هو أوضعه وأردؤه، وأنّ الذي يُرد إلى أرذل العمر هو الذي تنقص قوته وعقله ويُصاب بالخرف ونحوه، كما نقل القرطبي عن ابن عباس أنّ أرذل العمر هو أسفل العمر، أي: أنّ المرء يصير كالصبي الذي لا عقل له، فلا يعلم بعد علمٍ شيئًا، أي: يرجع إلى حال الطولة فلا يعلم الأمور التي كان يعلمها في مراحل حياته وقبل وصوله إلى أرذل العمر.
وقد قيل: بأنّ هذا لا يحصل للمؤمن لأنّ أهل الإيمان لا يُنزع علمهم عنهم، وقيل أنّ المعنى أي: لا يقدر على العمل بشيء ممّا يعلمه في تلك السن ولكنّ التعبير جاء بلفظ العلم لأنّه لا بدّ من العلم قبل العمل، فتأثير الكبَر في العمل أكثر ظهورًا من تأثيره في العلم.
كما قال ابن عاشور أنّ الله تعالى ذكر الوفاة قبل الرد إلى أرذل العمر لأنّ الوصول إلى هذه السن وبلوغ الناس تلك الحال قليل، وفسّر الأرذل بأنّه: اسم تفضيل من الرذالة، وهي الرداءة في الصفات السيئة، أمّا العُمر فهو مدّة البقاء في الحياة لأنّه مُشتق من العَمر وهو شغل المكان.
أمّا عن إضافة الرذالة للعمر فهو من باب العقلي لأنّ الموصوف بالرذالة هو حال الإنسان في مدّة العمر وليس نفس العمر لأنّه لا يُوصف لا برذالة ولا بشرف، فأرذل العمر هو هرم البدن وهذا غير مقيّد بمرور سنين معيّنة لأنّه يختلف باختلاف الأبدان والبلدان والصحة ومقاومة الأجساد للأمراض والعلل، فالرذالة المقصودة مرتبطة بالصحة وليست متعلقة بحال النفس فهي تصيب المؤمن والكافر.
اقرأ أيضا: معنى آية ولو اتبع الحق أهواءهم
فوائد من آية ومنكم من يرد إلى أرذل العمر
يُستفاد من آية {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} ما يأتي:
- ترد الآية على منكري البعث، فالذي خلق الخلق ومنهم من يردّهم إلى أرذل العمر، ثمّ يميتهم جميعًا، قادر على إيحائهم مرة أخرى فهو لا يعجزه شيء، ومن الجهالة والسفه الظن بعجز الله وعدم قدرته في فعل شيءٍ ما مهما كان عظيمًا في نظر البشر ولم يكن باستطاعتهم إدراكه وتصوّره، كالبعث بعد الموت ونحو ذلك.
- يخبر الله تعالى عن سوء حال الإنسان عندما يطول عمره وتضعف صحته وهذا يجعل الإنسان لا يتمسّك بالدنيا بشكلٍ مبالغٍ فيه، ولا يحرص على أن يطول عمره كثيرًا، فهذه الآية تدلّ على وجوب أن يُقلّل الإنسان من رغبته بطول العمر وزيادة السنوات التي سيعيشها، فهو ميّت لا محالة وكلمّا تقدّم في السن أكثر فإنّ قواه سوف تضعف وعقله وإدراكه كذلك وليس هذا من الأمور الطيّبة التي ينشدها بنو آدم.
- يُرشد القرآن الكريم إلى أهمية إدراك العواقب قبل المُضي بأي فعل والمسير في أي طريق، فمن مضامين هذه الآية أنّ المحافظة على الصحة في الشباب والصبا يحفظ على الإنسان عقله وقوته في الكبَر.
- خصّت هذه الآية آخر العمر بالرذالة على الرغم من أنّ الإنسان في حال الطفولة يكون لا يعلم شيئًا أيضًا ويكون بحاجة إلى غيره، ولكنّ الطفولة هي مرحلة سابقة لمرحلة القوّة والنشاط بعكس أرذل العمر الذي لا يتلوه شيء ولا يُرجى فيه التغيّر والتحوّل إلى الصلاح والقوة الجسدية والعقلية.