معنى آية إنا خلقناهم من طين لازب

سورة الصافات من السور المثاني في القرآن الكريم وترتيبها في المصحف السابعة والثلاثون، تقع بين سورة يس وسورة ص، وسمّيت باسم الصافات نسبة للآية التي تبدأ بها السورة والتي يقول فيها الله تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}، وهو وصف للملائكة الكرام عليهم السلام، ويهتم الكثيرون بالتعرف على معاني آيات سورة الصافات وخاصةً معنى آية إنا خلقناهم من طين لازب وما يُستنبط منها من هدايات قرآنية.

معنى آية إنا خلقناهم من طين لازب

معنى آية إنا خلقناهم من طين لازب

قال تعالى في سورة الصافات: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}، وهذه الآية فيها خطاب لأهل مكة المكرّمة من المشركين المنكرين للبعث والحياة بعد الموت، فهنا يحاججهم الله -سبحانه وتعالى- بالعقل والدليل الدامغ الذي يقيم عليهم الحجّة.

وعلى ذلك فإنّ معنى آية إنا خلقناهم من طين لازب أي أنّ الله تعالى يقول مخاطبًا نبيّه عليه الصلاة والسلام اسأل واستفتِ أولئك المنكرين للبعث والحساب في الآخرة هل خلقُهم وإماتتهم ثمّ إحياؤهم مرة أخرى بعد الموت هو أشد وأصعب أم ما خلقه الله تعالى؛ كخلق السماوات والأرض والجبال والبحار والملائكة والجن، إنّا خلقنا أباهم آدم من طين لزج، يلتصق بعضه ببعض.

ويرى بعض المفسّرين أنّ هذه الآية تشبه قوله تعالى في سورة غافر: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.

وكذلك قوله تعالى في سورة النازعات: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}، فهذه الآيات تدلّ بصريح العبارة على أنّ خلق الإنسان هو أهون من خلق تلك المخلوقات التي قد أوجدها الله -تعالى- بقدرته العظيمة التي لا يحدّها حد.

ثمّ يوضّح الله -تعالى- أصل خلق الإنسان فيقول: {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}، فالإنسان إذًا مخلوق ضعيف قد خلق من ماء وتراب، وهو الطين، وقيل طين لازب يعني لاصق؛ أي: إنّه يلتصق باليد، وهذا القول للإمام ابن عباس رضي الله عنهما، وعليه أكثر المفسّرين، ومنه قول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: تَعَلَّم فَإِنَّ اللَهَ زادَكَ بَسطَةً وَأَخلاقُ خَيرٍ كُلَّها لَكَ لازِبُ.

وربّما قالت العرب لازم وهي تريد لازب، فالميم لغة عن العرب، ومن ذلك قول الشاعر النجاشي الحارثي: بَنَى اللُّؤْمُ بَيْتًا فَاسْتَقَرَّتْ عِمَادُهُ عَلَيْكُمْ بَنِي النَّجَّارِ ضَرْبَةَ لَازِمِ.

وكذلك سُمِعَ عن العرب أنّهم قالوا لاتب، وهي لغة في لازب، وقد ذكر صاحب لسان العرب ابن منظور الإفريقي أنّ قيس كانوا يقولون لاتب، وقال بعضهم إنّ الطين اللازب هو القوي الشديد، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى في سورة الحجر: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}، وقال بعضهم المقصود باللازب هو الطين الخالص، وقال بعضهم هو المنتن، فالله أعلم.

اقرأ أيضا: معنى آية لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون

معاني المفردات في آية إنا خلقناهم من طين لازب

معاني المفردات في آية إنا خلقناهم من طين لازب

تحتاج بعض المفردات إلى تبيين معناها من كتب المعاجم وكتب اللغة، وفيما يأتي بيان لمعاني المفردات في آية {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}:

  • استفتهم: الاستفتاء هو السؤال، وفي الآية معناه السؤال التقريري، وهو كذلك سؤال أهل العلم من العلماء والمفتين.
  • خلقًا: والخلق هو إيجاد الشيء على غير مثال سابق، وهو كذلك التقدير، وقد قال بعض العلماء إنّ قوله تعالى في سورة المؤمنون: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، يعني المقدّرين، وكذلك قوله تعالى في سورة العنكبوت: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}، يعني تقدّرون كذبًا، والله أعلم.
  • لازب: اللازب هي صفة للطين، ومعناه الطين الصلب اللاصق، وقال الفرّاء إنّ العرب تقول لازم ولاتب ولاصق، وكلّها بمعنًى واحد.

اقرأ أيضا: معنى آية فالزاجرات زجرا

فوائد من آية إنا خلقناهم من طين لازب

إنّ الذي يقرأ القرآن بتدبّر لن يعدم الإفادة بما يفتحه الله -تعالى- عليه من ومضات ربّما لم يقف عليها غيره، ومن تلك الثمرات التي يمكن إفادتها من الآية الكريمة ما يأتي:

  • ظهور عظمة خلق الله وبديع صنعه عندما ذكّر الله -تعالى- مشركي مكّة بعظيم خلقه من السماوات والأرض والجبال والبحار والأنهار والمحيطات والملائكة والجن والأقوام البائدة من العمالقة وغيرهم، وكأنّه يسألهم بتقرير وهو يعلم إجابتهم.
  • وجوب حيازة قدر كبير من العلم بالإسلام والشريعة ومضامينها عند من يتولى حوار الكافرين؛ فإنّ الله -تعالى- حين حاورهم لإثبات أمر البعث والنشور فإنّه قد حاورهم من جهة المنطق والعلم لا من مكان آخر، فأقام عليهم الحجّة حين ألجمهم عن الإجابة، وبذلك قد أجمل الأسئلة كلّها بسؤال واحد ليكون الحوار بعيدًا عن الإطالة ويناقش المادة المُراد إثباتها دونما مواربة أو تورية حاشاه تعالى، وكذلك ينبغي أن يكون حوار المنكرين لئلّا يُفسَح لهم المجال لتسميم أفكار المحيطين بهم من الجاهلين وغيرهم.
  • بيان حقيقة خلق الإنسان وأنّ خلق الأكوان هو أعظم من خلق الإنسان، وأنّه قد خلق ضعيفًا فلا ينبغي له أن يتكبّر على الذي خلقه من ماء وتراب ثمّ نفخ فيه الروح ليكون عبدًا له لا ليكفر به وبأنبيائه وبما افترض على عباده الإيمان بها.

اقرأ أيضا: معنى آية فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة