معنى آية قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم
بدأت سورة يس بحروفٍ مقطّعة: {يس}، وآياتها آياتٌ قصيرة، ويدور فحواها حول توحيد الألوهية، وعقاب المكذّبين باللّه والمشركين بوحدانيّته، ولكنّ الموضوع الرئيس لها يتحدّث عن قضيّة البعث والنّشور، ويهتم المسلمون بالتعرف على معاني آيات سورة يس وخاصةً معنى آية قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون، وما يُستفاد منها من هدايات قرآنية.
معنى آية قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم
أمر الله عباده بقراءة القرآن الكريم وتدبّر معانيه؛ إذ يساعدهم ذلك على معرفة ما حرّم وما حلّل، وعلى تأدية العبادات، كما ويتعّرف العبادُ على قصص الأنبياء والصالحين، وبالمقابل يتعرّفون على مصير من أشرك بالله تعالى، ومن تلك الآيات التي لا بدّ من الوقوف عندها ومعرفةِ ما قاله أهلُ التفسير والتأويل في تفسيرها قوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}.
حيث جاء في تفسير الطبريّ أنّ معنى آية قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم أنّ الرسل الذين بُعثوا لهداية أهل القرية ودعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى وحدَه هم من قالوا لأصحاب القرية إنّ أعمالكم وحظوظكم وما بكم من خيرٍ أو شرٍّ فهو منكم وبأعناقكم، وليس من شؤمنا نحن الرّسل.
المقصودُ بطائركم معكم: أعمالكم وحظوظكم، أمّا فيما يخصّ تتمّة الآية: أئن ذكّرتم: فهنالك قراءاتٌ عديدةٌ لها، والأفضلُ هي قراءة قرّاء الأمصار؛ حيث قرؤوها بفتح الألف من همزة الاستفهام وكسر همزة إن؛ أي: دخلت همزةُ الاستفهام على حرف الجزاء فكان المعنى: إن ذكّرناكم فمعكم طائركم، وعلى هذا جاء أهلُ التأويل بمعنى: إنْ ذكّرناكم الله تطيّرتم بنا؟ وذلك ليس من تطيّر القوم بالرّسل بل هم مسرفون؛ أي: قومُ معاصٍ وآثامٍ وهم مغرقون بالذنوب.
وفي تفسير السعديّ: إنّ ما بأهل القرية من شركٍ ومعصيةٍ هو النتيجة الحتميّة لما وقع بهم من الشرّ والنقمة وليس ما قاله لهم الرسل، بل إن أعمالهم وشركهم وإسرافهم في ذنوبهم هو الذي أودى بهم إلى ما هم عليه.
وفيما جاء في تفسير الطنطاويّ للآية: إنّ الرسل قابلوا تهديد أهل القرية وأقوالهم بأنهم هم سبب شؤمهم بالثبات والعقل؛ فقالوا لهم إنّ ما حصل ليس بسبب أنّنا جلبنا الشؤم بل بسبب أعمالكم وجحودكم، وهنا يوجد جواب شرطٍ محذوف؛ أي: إن وُعظتُم وذكِّرتُم بالله وبالحقّ تطيّرتم وتشاءمتم.
وجاء في تفسير ابن عاشورٍ أنّ ما كان بالقوم وما حلّ بهم وما ادّعوا بأنه طائر شؤمٍ لهم لم يكن موجودًا إلا في نفوسهم؛ بسبب سوء سمعهم للموعظة وإصرارهم على نشر الفتنة والبغضاء في القرية.
اقرأ أيضا: معنى آية أن يقول له كن فيكون
إعراب آية قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم
- قالوا: فعل ماض مبنيّ على الضّم؛ لاتّصاله بواو الجماعة، والواو ضميرٌ متّصلٌ مبنيّ في محلّ رفع فاعل، والألف للتّفريق.
- طائركم: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضّمة الظّاهرة على آخره، والكاف ضميرٌ متّصلٌ مبنيٌّ على الضّم في محلّ جر بالإضافة، والميم علامة جمع الذكور.
- معكم: مع: ظرف مكان متعلّق بخبر طائركم المحذوف، والكاف ضمير متّصل مبنيّ في محل جر بالإضافة.
- أئن: أ: حرف استفهام، إن: حرف شرطٍ جازم.
- ذُكّرتُم: فعل ماض مبني للمجهول مبنيّ على السكون لاتصاله بتاء الفاعل المتحرّكة، والتّاء ضمير رفع متّصل مبنيّ في محل رفع نائب فاعل، والميم علامة جمع الذكور، وهو فعل الشّرط وجواب الشرط محذوف.
- بل: حرف إضرابٍ وعطف.
- أنتم: ضمير رفعٍ منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.
- قوم: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضّمة الظاهرة على آخره.
- مسرفون: صفة قومٍ مرفوعة مثلها وعلامة رفعها الواو لأنّها جمع مذكّرٍ سالم، والنون عوضٌ عن التنوين في الاسم المفرد.
- جملة “قالوا”: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
- جملة “طائركم معكم”: في محل نصب مقول القول.
- جملة “أئن ذكّرتم”: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب في حيّز القول.
- جملة “أنتم قومٌ مسرفون”: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب في حيّز القول.
اقرأ أيضا: معنى آية وما علمناه الشعر وما ينبغي له
فوائد من آية قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم
بعد الخوض في غمار الآية شرحًا وتفسيرًا وإعرابًا، لا بدّ من الوقوف على الثمرات المستفادة من الآية، والحكمةِ التي يمكن استنباطها منها؛ ففي كلّ آيةٍ من آيات الله عبرةٌ وموعظة، والفوائد المُستقاة من قوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} كالآتي:
- إنّ كلّ عملٍ يقوم به الإنسان -سواء أكان خيرًا أم شرًا- نتائجه مردودةٌ عليه، فمن كفر وجحد سينال عقابه لا محالة، ومن آمن بالله تعالى وآمن بوحدانيّته، وابتعد عن كلّ أنواع الشرك به سينال جزاءه أيضًا في الدنيا والآخرة.
- إنّ الله تعالى أرسل الرّسل والأنبياء ليكونوا الدّاعين لدينه الحقّ، والواعظين لمن غطّى الكفرُ عيونهم وقلوبهم، ولمَن أسرفوا في ذلك الكفر، وأيّدهم بأخلاق الأنبياء من صبرٍ وثباتٍ وقدرةٍ على مواجهة ما يصادفهم من عقَبات.
- على الواعظ أن يُقابل ما يتعرّض له من أذىً بالحكمة والثّبات والعقل، لا أن يردّ الأذيّة بمثلها، وأن يتّخذ من الرسل قدوةً لذلك الثبات في الدعوة لدين الله وتحمّلِ ما أصابهم من أذىً جسديٍّ ونفسيّ.
- إنّ الشؤم والسوداوية أمورٌ نابعةٌ من قلب الإنسان نفسه نتيجة أفعاله وسلوكه، ولا علاقة لأحدٍ بها؛ فكلُّ عملٍ ينعكس على نفسية صاحبه مهما كان؛ فإن كان سيئًا انعكس بالشؤم على صاحبه، وإن كان حسَنًا انعكس عليه بالتفاؤل والفرح.
اقرأ أيضا: معنى آية وإنا لنحن المسبحون